تتسارع الأحداث السورية ويتعقّد مشهد البلاد يوماً فيوم، ولا سيّما إثر التدخّل العسكريّ الروسيّ ومفاعيله على الساحة الداخلية بسبب اتّباعه سياسة الأرض المحروقة واستهداف البنية التحتية للمناطق المحرّرة، وما نتج عن ذلك من ردود فعلٍ إقليميةٍ ودوليةٍ متصاعدة، رغم أنها ما زالت دون المستوى المطلوب طبعاً.
ولكن موجة التململ العالميّ هذه، والتي وصلت إلى حدّ تلويح السعودية وتركيا بالتدخّل البرّي، بالتحالف مع بعض الدول ودون غطاءٍ من الأمم المتحدة أو حلف الناتو؛ تدلّ على ان الغليان في المنطقة وصل إلى حدٍّ يهدّد بانفجارها بالفعل لا مجازاً. ولا شكّ أن لجم الإدارة الأوبامية تململ الدولتين وحنقهما لم يكون دون وعودٍ بضغوطٍ أمريكيةٍ جادّةٍ هذه المرّة على روسيا، رأس محور الشرّ الجديد الذي أعمل أنيابه في سورية بغطاءٍ هزيلٍ من بشار الأسد.
وبنظرةٍ متفائلةٍ قد يعني ما سبق أننا قد تجاوزنا الأسوأ؛ جرّب النظام كلّ قواه الذاتية واستنزف حاضنة مؤيديه بشرياً حدّ الإنهاك، ثم استعان بميليشياتٍ طائفيةٍ بدأت بحزب الله وانتهت بالحرس الثوريّ الإيرانيّ، وأخيراً رهن قراره ومصيره للروس الذين لن يتورّعوا عن المقايضة به في صفقةٍ أوسع، ولم يستطع تحقيق مكاسب جدّية على الأرض السورية التي بات يحكم أقلّها، ولا تسويق نفسه بوصفه صمّام الأمان ضدّ الفوضى، بل بان بوضوحٍ أنه منبعها، بما فيها داعش.
إذن، قد نشهد في القريب غير العاجل مساراً دولياً يمشي بثباتٍ باتجاه تغيير النظام، رغم أن هذا لن يعني –على الأرجح- وصول الثورة إلى غاياتها الكاملة بمجرّد هذا التغيير. ومن هنا عليها أن تجدّد طاقاتها ما أمكن، وأن تستعدّ لطرقٍ متعرّجةٍ لا ينفع معها نفاد الصبر والاستعجال، ولكنها لن تكون داميةً ومريعةً كحال السنوات السابقة.
أما إن خاب هذا الأمل فثورتنا اليتيمة مستمرّة... حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.