عن الحقد والجوع
هل يمكن أن نتخيّل مكاناً آخر من العالم تخصّص فيه صحيفةٌ افتتاحيتها للموت المقصود تجويعاً! كيف نشرح لزملائنا من إعلاميّي الأرض هذا الفصل الفظيع من كابوسنا السوريّ الممتدّ؟ هل نعيش معهم في الزمن نفسه بالفعل، القرن الحادي والعشرين، بعد كلّ ما حققته البشرية من ازدهارٍ وتطورٍ وتشريعاتٍ طالت حتى «قوانين» الحروب وضوابطها وأعرافها؟!
ما الذي أصابنا حقاً في هذه المنطقة من العالم؟ ما إن تقوم مجموعةٌ مجرمةٌ بحصار المدنيين إلى درجة الموت جوعاً ومرضاً حتى تناصرها «حاضنةٌ شعبيةً» تتفنّن في نشر صور أطايب الطعام على فيسبوك، وتحاول قطع طريق المساعدات إلى المناطق المنكوبة حين يضطرّ المجرمون الأصليون إلى إدخالها استجابةً للضغط الدوليّ أو للمنظمات الإنسانية.
وبالمقابل، يجب على الجوعى وأهليهم وحاضنتهم أن تلتزم التهذيب فلا ترفع صوتها في وجه الظالم والعالم العاجز عن ردعه لأسبابٍ مختلفة. بإمكانها أن توقّع عريضةً في آفاز، أو أن تطلق هاشتاغاً على تويتر، وليتفكّر مصمّموها في بوستراتٍ مناسبة؛ ولكن الأهمّ أن لا تمتلئ حقداً مضاداً، وكأن الناس من بلاستيك!
رسالتنا مدنيةٌ وإنسانيةٌ وأخلاقية، ونرفض استخدام سلاح الجوع تجاه مناصري ثورتنا أو خصومها. ولكن حين يتسرّب الأمر من بين أيدي من يحملون هذه الرسالة ويحطّ في ديار الحقد، حين يستخفّ «الفاعلون على الأرض» بجهودنا وجهود سوانا وتعويلنا على حسّ العدالة في العالم، ويتقدّمون الصفوف حاملين سكاكينهم –على الأقلّ- فليتذكّر من سيدينونهم، ويحثّونا على المضيّ قدماً في السباحة عكس التيار، هذه الأيام وهذه الصور. لتتذكّر إيران وميليشياتها ما فعلته، ولتتذكّر حاضنتها الطائفية ما هللت له على فيسبوك ثم نامت قريرة العين في أمان منازلها وتنوّع موائدها، وليتذكّر العالم عجزه المخزي أمام تغوّل المجرمين من سورية إلى روسيا.
للأسف، لا تشبع ورقة الصحيفة بطناً خاوية، كما لن تستطيع أن تقف بفاعليةٍ في وجه الحقد المضادّ للجائعين حين يحوزون أدنى درجات القدرة على ردّ الوحشية بالوحشية... وإلا من أين اندلعت داعش؟! ولماذا تحاصر مئات آلاف المدنيين في دير الزور مثلما يحاصر النظام إخوتهم في مضايا وسواها؟