معالم الصراعات الأهليّة في التدخل العسكريّ الروسيّ
دأبت روسيا، منذ اصطفافها إلى جانب بشار الأسد، على التصريح بأن موقفها على العموم هو مساندة الأنظمة الشرعية المعترف بها، وأن سياستها في سوريا تهدف إلى الحفاظ على الدولة في مواجهة خطر تفككها على يد «الإرهاب» ووقوع البلد في حربٍ أهليةٍ طويلة المدى.
هذه ليست الذريعة الكاذبة الأولى للحكم الاستبداديّ الروسيّ، ولن تكون الأخيرة، خاصّةً بعد توجيه قذائف طائراته إلى مقاتلي الجيش الحرّ، وإلى البنية التحتية للمناطق المحرّرة وشرايين بضائعها وإغاثتها ومحروقاتها، بزعمٍ مفضوحٍ عالمياً هو محاربة داعش؛ غير أن تأملاً في بعض جبهات التدخل الروسيّ ومفاعيله ربما يعطي صورةً أوضح عن مدى الرغبة الحقيقية للروس في الحفاظ على «الدولة».
نستعرض هنا ثلاث جبهاتٍ، أبرزها وأكثرها سخونةً هي ريف حلب الجنوبيّ، الذي يشهد تركيزاً مكثفاً ومستداماً للقصف الروسيّ ممهداً للتقدّم على الأرض. والحقّ أنه في حسابات النظام ربما كانت هناك جبهاتٌ أخرى في حلب أكثر جدوى وذات نتائج أهمّ، ولكن الزخم الإيرانيّ الضاغط باتجاه فك الحصار عن كفريا والفوعة هو ما فرض أولوية هذه المعركة الطويلة والمكلفة، وهو ما يمكّن قاسم سليماني، الذي نشرت صوره هناك مراراً، من تغذية حماس الميليشيات الطائفية التي يقودها بهدفٍ محفزٍ هو تحرير إخوانهم الشيعة.
وعلى جبهةٍ أخرى شهدنا، منذ أسابيع، دعم الطيران الروسيّ محاولة تقدّم قوات حزب PYD الكرديّ، مع حلفاء شكليين آخرين، في محيط مدينة اعزاز بريف حلب، على الحدود التركية، حيث تبدو أبرز معالم الصراع قوميةً، فضلاً عن الأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة في إمداد المناطق المحرّرة.
أما في ريف اللاذقية فقد دفعت المقاتلات الروسية تركيا إلى الحديث، وبقدرٍ غير مسبوقٍ من الجدية، عن استهداف التركمان، وحشد الرأي العام التركيّ وراء حكومته عند إسقاط الطائرة الروسية مؤخراً، بل الكلام عن متطوّعين ربما يتدخلون لمساندة إخوانهم التركمان.
هكذا هي إذن بعض أبرز معالم التدخل الروسيّ للمحافظة على «الدولة السورية»؛ تغذية الصراع السنّي الشيعي، والعربي الكردي، والتركماني السنّي في مواجهة جوارٍ من العرب العلويين!
يستطيع الأقوياء الكذب بوقاحةٍ بالفعل... ولكن إلى حين.