منذ صعود تنظيم داعش إلى الواجهة صيف العام 2014، استحوذت آلته الإعلامية على اهتمام العالم بقدر ما شغلته الفظائع التي دشّن التنظيم بها حضوره وسيطرته على رقعةٍ جغرافيةٍ كبيرةٍ وإعلان دولته عليها. ومنذ ذلك الوقت لم يقتصر دور الإعلام الداعشيّ على تضخيم صورة التنظيم وإمكانياته وحسب، بل رافقت ذلك مهامٌّ وظيفيةٌ تسويقية، تجللت باستخدام تقنيات الصورة والصوت ووسائل التواصل الاجتماعيّ المتاحة بيسر، بغرض رفد قدرات التنظيم العسكرية والتنظيمية. لكن، في الأشهر الأخيرة، ظهرت العديد من المؤشرات على تراجع الأداء الإعلاميّ لداعش، تزامناً مع العديد من المتغيّرات التي طرأت على الساحة.
صورة داعش في أوجها
لم تمض ساعاتٌ على ظهور الناطق باسم التنظيم، أبي محمد العدنانيّ، في إصدارٍ مصوّرٍ أعلن فيه إزالة الحدود العراقية السورية؛ حتى بثّ التنظيم تسجيلاً صوتياً للعدنانيّ ذاته يعلن قيام الخلافة ومبايعة أبي بكر البغداديّ الذي ظهر للمرّة الأولى بعد أيامٍ خطيباً في جامع الموصل الكبير. في هذه الفترة، وفي الأشهر الستة التي تلتها، عملت آلة التنظيم الإعلامية بطاقتها القصوى، مستفيدةً من خمسة عوامل رئيسيةٍ لم تكن موجودةً قبل أشهرٍ قليلة:
- توافر المواد القابلة للاستثمار الإعلاميّ بفعل "الانتصارات" المتتالية على الجبهات العراقية والسورية.
- اهتمام الإعلام الدوليّ والمحليّ بمجريات الأحداث في المناطق الخاضعة حديثاً لسيطرة التنظيم، أو تلك التي يحاول السيطرة عليها.
- استقطاب خبرات عددٍ من كوادر "الجهاد الإلكترونيّ" لتنظيم القاعدة المنتشرين حول العالم، بعد الخلاف "العلنيّ" بين المنظمتين.
- توافر كوادر تتولى عمليات التصوير والمونتاج والإخراج والتصميم، فضلاً عن التسويق الإلكترونيّ.
- توافر الملاذات الآمنة والإمكانات لعناصر التنظيم وكوادره بعد السيطرة على عدة مدنٍ كبيرةٍ أبرزها الموصل والرقة، وما أمّنته من "غنائم تقنية".
بناءً على ذلك ظهرت نتائج هذه الإمكانيات الجديدة على عدّة مستويات:
المستوى التنظيميّ
بعد تقسيم المناطق الخاضعة لسيطرته إلى ولايات، أنشأ التنظيم في كلٍّ منها مكتباً إعلامياً خصّص له مصوّرين وفنيين من منتسبيه، بحسب أهمية الولاية واحتياجاتها. وترجّح التقديرات خضوع هؤلاء لدوراتٍ على يد كادرٍ مركزيٍّ يتبع "وزارة الإعلام" التي رُفدت بأحد محترفي صناعة الهوية البصرية، وفق ما تشير غالبية إنتاجات التنظيم الإعلامية في تلك الفترة، والتي تشترك في قالبٍ فنيٍّ متقاربٍ لم يكن موجوداً في الإصدارات التي ظهرت قبل أشهرٍ قليلة. كما تمّ ربط المكاتب الإعلامية بوزارة إعلام التنظيم التي تعدّ "مؤسّسة" الفرقان -المعتمدة في إخراج ونشر كلمات وإصدارات قادة التنظيم الكبار منذ إنشائها في العام 2006 في العراق وحتى الآن- نواتها المركزية. وتتلخص مهام المكاتب الإعلامية للولايات بتقديم تقارير فوتوغرافيةٍ وفيديوهاتٍ عن النشاط العسكريّ و"المدنيّ" للتنظيم، ونشر هذه المواد والأخبار عبر صفحات الولايات على شبكات التواصل الاجتماعيّ. كما يشرف مسؤولو المكاتب على النقاط الإعلامية في الولايات، والتي تروّج إصدارات التنظيم المصوّرة عبر شاشة عرضٍ وتوزّع المطويات والنشرات، وتحمّل الأناشيد والفيديوهات على أجهزة الراغبين الخليوية عن طريق موظفٍ متعاقدٍ في كلّ نقطة. كما تتولى وزارة الإعلام مراقبة إذاعة "البيان" التي بدأت بثها لعدّة ساعاتٍ على الموجة القصيرة في الموصل والرقة وعلى الإنترنت. ويضاف إلى ذلك الإشراف على المؤسّسات الإعلامية الرسمية والمناصرة والتنسيق بينها. إذ منذ دخول التنظيم إلى سوريا ظهرت مؤسّستا "الحياة" و"الاعتصام" المسؤولتان، إلى جانب "الفرقان" والمكاتب الإعلامية للولايات، عن ما نسبته 95% من إصدارات التنظيم المرئية والمسموعة والمكتوبة حتى أواخر العام 2014.
الوظيفة
لم تنحصر استفادة داعش من تنظيم القاعدة باستقطاب الكوادر وحسب، وإنما اتبع التنظيم الاستراتيجية ذاتها التي كان يتبعها التنظيم الأم، عبر استخدام المواد الإعلامية لأغراض التجنيد والإرهاب النفسيّ الخارجيّين والداخليّين، مطوّراً العمل التقنيّ والمواد الدعائية والإعلامية التي تخاطب غير العرب، أو ذوي الأصول العربية في "الغرب". وهو ما كان يتولاه مركز "الفجر" التابع للقاعدة، الذي أصدر في عام 2006 مجلةً متخصّصةً بتعليم المونتاج والتهكير وإنشاء المواقع وطرق النشر حملت اسم "المجاهد التقني"، فضلاً عن تخصّصه بترجمة إصدارات ومنشورات القاعدة على الإنترنت إلى ما لا يقلّ عن سبع لغاتٍ بغرض استقطاب المزيد من المهاجرين. ومع الأيام الأولى للـ"خلافة" ظهرت مجلة "دابق"، الصادرة عن مؤسّسة الحياة التي استحدثت مؤخراً. فيما بدأت الإصدارات المصوّرة المترجمة والناطقة باللغات الأخرى تتوالى، وصولاً إلى ظهور دواعش من جنسياتٍ غربيةٍ يتحدثون بلغات بلدانهم ويخاطبون حكوماتهم وينفذون عمليات قطع رؤوس، كجزءٍ أساسيٍّ من دعاية التنظيم الترغيبية والترهيبية، وكوسيلةٍ ناجعةٍ للتميّز عن باقي المنظمات الإرهابية المعاصرة.
المحتوى
في وقتٍ كانت فيه حقيقة التنظيم لا تزال ملتبسةً بالنسبة إلى الكثيرين، دشنت داعش خلافتها بنشر الجزء الرابع من سلسلة "صليل الصوارم" -الصادرة عن مؤسسة الفرقان- التي بلغ نشيدها شهرةً غير مسبوقةٍ منذ صدورها في أيار 2014. ولفت الإصدار الانتباه لاستخدامه مشاهد مصوّرةً جوّاً وعمليات اغتيالٍ وتفجيرٍ في العراق، ليحفز هذا مخيلة التنظيم إلى التمادي في عرض مشاهد التفنّن في الفظاعات نظراً لما لاقاه الإصدار من شهرة. بعد ذلك بوقتٍ قصيرٍ نشر التنظيم إصدار "واقتلوهم حيث ثقفتموهم" الذي يظهر فيه سَوق ما يقارب 1700 مجندٍ من معسكر سبايكر العراقيّ وإعدامهم بطرقٍ لم يسبق عرضها من قبل. وبين تموز وتشرين الأول 2014 نشر التنظيم عشرات الإصدارات المروّعة التي أثارت الرأي العامّ العالميّ وحكوماته، وسلّطت الضوء أكثر على حقيقة التنظيم، كان منها نحر الصحفيين والرهائن الأجانب، وإصدار "لهيب الحرب"، وإصدارا "فشرّد بهم من خلفهم" اللذان تضمّنا مشاهد إعدام المئات من عناصر الفرقة 17 واللواء 93 في الرقة اللذين كان التنظيم قد استولى عليهما قبل أيام. وذلك بعد أن قامت صفحات "ولايات" التنظيم المنشأة حديثاً، ومناصروه الإلكترونيون على موقع تويتر، بنشر أخبارٍ وصورٍ عن هذه الأحداث، لتأتي الإصدارات مؤكّدة على مصداقية التنظيم الذي يتفنّن ملثموه في طرق قتل ضحاياهم، وتتروّى كوادره في إنتاج مشاهد الحرق والإغراق والتفجير والتقطيع.
وخلاصةً لذلك، يمكن القول إن مزايا الإعلام الداعشي تلخّصت في أنه ليس إعلاماً بالمعنى التفاعليّ التقليديّ للكلمة، بقدر ما يعدّ أداةً تسويقيةً ودعائيةً وباتجاهٍ واحدٍ لمنتجات التنظيم العسكرية والأيديولوجية التي يقوى بقوّتها ويضعف بضعفها.
بعد الخلاف بين القاعدة وداعش، بايع العديد من نشطاء إعلام التنظيم الأمّ داعش، منهم المصريّ الأصل نمساويّ الجنسية محمد محمود، مؤسّس الجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية، واليمنيّ همام الحميدي، منشئ مؤسّسة البتّار الإعلامية، والتونسيّ بلال الشواشي، المتحدث باسم التيار السلفيّ الجهاديّ في تونس، وغيرهم.
تراجع أداء التنظيم الإعلاميّ
باستثناء مجلة دابق ذات الجمهور المحدّد، لا يولي التنظيم اهتماماً بوسائل الإعلام المطبوعة بالقدر الذي تحظى به إصداراته المصوّرة والنشاط الإلكترونيّ الموازي. ولذلك سنغفل الحديث عن مجلة "النبأ" الأسبوعية التي بدأت توزّع في بعض المناطق بعد بداية العام، وكذلك عن أداء إذاعة البيان، كما لن يتسع المجال لتقييم إنتاج داعش الإنشاديّ في هذه المرحلة. وسنعتمد على الإنتاج المصوّر والخطابيّ بشكلٍ رئيسيٍّ لتقييم أداء التنظيم الإعلاميّ.
دخل تنظيم داعش عام 2015 وهو في أوج نجوميته، بفضل النجاحات العسكرية والإعلامية التي حققها في الأشهر الستة الماضية، والتي استطاعت استقدام ما يقرب من 5000 مهاجرٍ إلى صفوفه حتى ذلك التاريخ، واستدعت إنشاء تحالفٍ دوليٍّ جوّيٍّ ضدّه في أيلول 2014، منعه من التقدم باتجاه مدينة أربيل، وساهم في طرده من عين العرب/ كوباني مع نهاية الشهر الأول من 2015، ليكون ذلك عملياً أول نكوصٍ عسكريٍّ وإعلاميٍّ جدّيٍّ واجهه بعد إعلان دولته. لذا عاد التركيز مجدّداً على إصدارات التنظيم المصوّرة التي كان أبرزها نحر الصحفيّ اليابانيّ كنجي غوتو، وإصدار "شفاء الصدور" الذي تضمّن حرق الطيار الأردنيّ الأسير معاذ الكساسبة، وصولاً إلى ذبح العمال المصريين الأقباط في ليبيا بعد ظهور بؤرةٍ مبايعةٍ للتنظيم هناك. لتبلغ آلة داعش الإعلامية ذروتها في ربيع وصيف 2015، بالتزامن مع احتلاله مدينتي تدمر والرمادي، ما أعطى دفعةً جديدةً ووفّر موادّ تسويقيةً قابلةً للاستثمار وإبقاء الأضواء مسلطةً على التنظيم لأشهرٍ قادمة، وسط ترقبٍ وهلعٍ عالميين على مصير هذه المناطق وساكنيها. وبحلول حزيران، ووفق المركز الدوليّ لدراسة التطرّف والعنف السياسيّ، استطاع التنظيم الوصول إلى إنتاج ما يقارب 2700 مادةٍ إعلاميةٍ شهرياً، من جميع ولاياته، تستحوذ الصور على ما تفوق نسبته 75% منها، أي ما يعادل 2025 صورةً شهرياً، في حين بلغت مواد الفيديو، كالتقارير العسكرية ونشاطات التنظيم "المدنية" واللقاءات والإصدارات، ما نسبته 25%، أي ما يعادل 675 مادةً فيلمية، يضاف إلى ذلك 5% من المواد الصوتية والمطبوعة. مع تركّز نشاط الإعلام على مناطق داعش السورية والعراقية بنسبةٍ تتراوح بين 85 و90%، وحضورٍ هامشيٍّ لليبيا وسيناء.
أنشئت أولى النقاط الإعلامية في مدينة الباب بريف حلب، لتتبعها أخرى في منبج، ثم نقل التنظيم تجربته إلى مدينة الموصل ليفتتح فيها 6 نقاطٍ بعد شهرٍ من إعلان خلافته. ويقدّر عدد النقاط الإعلامية في مختلف المناطق السورية والعراقية التي يسيطر عليها التنظيم بـ100 نقطةٍ حالياً.
إلا أن مؤشراتٍ على ضعف الأداء الإعلاميّ للتنظيم بدأت تظهر بعد منتصف العام. وقد تجسّدت في ما يلي:
- تقلّص كمّ المواد المنتجة
انخفض إنتاج "مؤسّسات" التنظيم الرسمية والمناصرة منذ نهاية آب 2015 بشكلٍ مطّرد، وخاصّة المواد المتعلقة بمناطق مركز ثقل داعش الرئيسية في العراق وسوريا. وبحسب رصدنا لنتاج التنظيم، لم يتجاوز عدد المواد الإعلامية الشهرية المتعلقة بسوريا حاجز الـ900 في كانون الثاني من هذا العام، تستحوذ الصور على ما نسبته 75% إلى 80% منها. في حين شهدت المواد الفيلمية انخفاضاً وصل إلى ما دون الـ140 مادةً من سوريا، وما يزيد قليلاً على 400 مادةٍ من عموم الولايات في شباط من هذا العام. أي أنّ التنظيم خسر ما يزيد على 45% من إنتاجه الإعلاميّ المتعلق بسوريا، الذي بلغ 285 مادةً فيلميةً تقريباً في حزيران من العام المنصرم.
- تغيّراتٌ في الخطاب
في آخر كلماته المسجّلة، التي نشرت في تشرين الأول من العام الماضي، ركّز الناطق باسم التنظيم، أبو محمد العدنانيّ، على مهاجمة الفصائل الثورية السورية متوعداً إياها بالهزيمة إلى جانب الأمريكان وحلفائهم. وفي هذه الكلمة تحدّث العدنانيّ من منطق القوّة، مذكّراً أعداءه بمواقع استطاع التنظيم فيها تحقيق المكاسب العسكرية وقطع الرقاب، مبشراً بالنصر الموعود. لكن، ومع نهاية شهر كانون الثاني، أصدر التنظيم كلمةً صوتيةً لأبي بكر البغداديّ، بعد غياب سبعة أشهرٍ عن "الظهور" الصوتيّ، وما يقارب العام ونصف عن الظهور العلنيّ الوحيد. في هذه الكلمة عكس البغداديّ حالة التنظيم بعد التخلخل العسكريّ الذي أصابه بفقدان مناطق واسعةٍ في الفترة السابقة، منها سنجار والرمادي وتل أبيض، في حين لا تزال العمليات العسكرية جاريةً لاستعادة المزيد من المناطق من يده. ولذلك بشّر البغدادي بمرحلةٍ "تشتدّ فيها المحن" على دولته، داعياً رجاله إلى الثبات والصبر و"إحدى الحسنيين"، العبارة التي كرّرها مرّاتٍ عديدة. وعلى مستوى الإعلام، لوحظ منذ ذلك التاريخ حجم التركيز على آثار قصف طائرات التحالف، وبالدرجة الثانية قصف الطيران الروسيّ والأسديّ والتابع للحكومة العراقية. إذ بلغت نسبة المقاطع المرئية التي صوّرت آثار، ومن يقال إنهم ضحايا، الغارات أكثر من 20% من إجمالي التقارير المرئية التي نشرها التنظيم حتى نهاية شهر شباط من هذا العام. وقد جاء هذا النوع من المقاطع في سياق الاستعطاف والمظلومية، بعد أن كان يستخدم بشكلٍ أكثر وضوحاً في السياق التحريضيّ، ومقدمةً لـ"شفاء الصدور" الذي يحققه التنظيم عبر عمليات الإعدام. وربما للأسباب ذاتها لوحظ تركيز البغداديّ في خطابه على القضية الفلسطينية، التي لا تأخذ حيزاً في الخطاب الإعلاميّ الداعشيّ عادةً، وربطها بما تعاني منه "دولته" و"أمته" التي "لم يسبق في التاريخ أن اجتمع عليها العالم وأهل الكفر كما هو حاصلٌ الآن"، كما جاء على لسانه.
- تراجع "جاذبية" المحتوى
بتحليل الإصدارات المرئية التي نشرت منذ نهاية العام الفائت وحتى الشهر الحاليّ، تمكن ملاحظة تراجع المؤثرات الفنية والإخراج الدراميّ القصصيّ الذي كان سبباً للفت النظر إلى إعلام التنظيم وتحويله إلى ظاهرةٍ إعلاميةٍ عبر تصوير طرق الاقتصاص الغريبة من الأعداء المهزومين، التي اعتاد التنظيم تضمينها في إصداراته وفيديوهاته. في وقتٍ استحوذت فيه التقارير الحربية التي تصوّر اشتباكات عناصر التنظيم وصدّهم هجمات القوات المعادية لهم في العراق وسوريا، وإسقاط طائراتٍ بلا طيار، على ما يزيد على 35% من المواد الفيلمية التي بثها التنظيم على مواقعه، وفي وقتٍ تقلصت فيه الإصدارات الخاصّة والاحترافية إلى أدنى مستوياتها، بأقلّ من 8% في شباط الماضي، لصالح ازدياد عدد التقارير "الخدمية" والدعوية ونشاطات دواوين التنظيم في مناطقه، بحسب رصدنا.
- دعم إعلام التنظيم وإعلامييه
لوحظ في الأشهر الأخيرة تركيز التنظيم على دعم إعلامييه من خلال توجيه العديد من الرسائل إليهم عبر الإصدارات المرئية والمكتوبة. إذ أنتجت العديد من الأفلام القصيرة، كـ"مجاهدٌ أنت" الصادر عن المكتب الإعلاميّ لولاية حلب، و"مجاهدٌ أنت أيها الإعلاميّ" الصادر عن ولاية صلاح الدين، وغيرها، احتوت على رسائل من مقاتلي التنظيم إلى إعلاميّي المؤسّسات والمناصرين التويتريين والإنترنيتيين الذين "لا يجب أن يقللوا من أهمية عملهم لأنهم على ثغرٍ عظيم من ثغور الدين"، حسبما ورد في أحد هذه الإصدارات. وفي إصدارٍ آخر يعلن مقاتلٌ "حاجة الدولة الماسّة إلى أولئك الرجال الذين يملكون القدرة الإعلامية"، داعياً "أيّ شخصٍ قادرٍ على حمل الكاميرا أن يتقي الله في نفسه ويدخل هذا المضمار". كما نشرت صفحات التنظيم مؤخراً إصداراً مصوّراً بعنوان "لهيب الأنصار"، موقّعاً باسم مجموعةٍ أطلقت على نفسها اسم "جيش أبناء الخلافة"، يتحدّون إجراءات حظر وحذف حسابات التنظيم وأنصاره من فيسبوك وتويتر، عبر ادّعاء القدرة على اختراق صفحات أعدائهم أيضاً. وتضمّن الفيديو صورتين لكلٍّ من مارك زوكربيرغ –مؤسّس فيسبوك- وجاك دورسي -مؤسّس تويتر- وهما يتعرّضان لوابلٍ من رصاص المؤثرات البصرية الرديئة.
ويمكن تفسير تراجع أداء جهاز داعش الإعلاميّ بالأسباب التالية:
- التقهقر العسكريّ الذي لحق بالتنظيم، والذي انتزع المصدر الرئيسيّ لتغذية البروباغندا بعد خسارة مناطق ومدنٍ عديدةٍ في العراق وسوريا، والضربات الجوية التي شغلت كوادر التنظيم بتغطية آثارها.
- مقتل عددٍ من مسؤولي ورموز التنظيم الإعلاميين منذ تموز 2015. ومنهم: مسؤول تنسيق المؤسّسات الإعلامية في داعش، المكنّى بأبي عبد الله، الذي لقي مصرعه إلى جانب نائب البغداديّ فاضل الحيالي بغارةٍ أمريكيةٍ في آب الماضي، ومحمد إموازي المعروف بالجهادي جون، إضافةً إلى العديد من مسؤولي وتقنيّي المكاتب والمؤسّسات الإعلامية، كأبي معاوية الشاميّ وأبي هاجر العراقيّ وأبي إدريس العراقيّ، وغيرهم ممن نعتهم صفحات الدواعش على تويتر.
- تشديد الرقابة الإنترنيتية على نشاطات أعضاء التنظيم على الشبكة. إذ أعلنت شركة تويتر الشهر الماضي إغلاقها أكثر من 125 ألف حسابٍ تربطها صلاتٌ بالإرهاب منذ منتصف العام 2015، معظمها على صلةٍ بداعش. وتراجعت أعداد حسابات الدواعش الإنكليزية على تويتر إلى أقلّ من 1000 حساب. فيما تتكفل فلاتر محرّكات البحث والتبليغات بحذف إصدارات التنظيم من مواقع تحميل الملفات المصوّرة أو السمعية أو المكتوبة، ما جعل مهمة إعادة رفعها ونشرها أكثر تعقيداً وصعوبةً على المناصرين الإلكترونيين. وهذا ما أدّى إلى تحوّل وكالة "أعماق"، المؤسّسة في نهاية 2014، إلى نقل أخبار التنظيم وتقاريره بلغةٍ صحفيةٍ بعيدةٍ عن مصطلحات التنظيم المعروفة والمحظورة في آنٍ واحد.
- بلوغ النتاج الإعلامي الداعشيّ الحدود القصوى على مستوى الدموية والتقنية خلال السنة والنصف الماضية، بعد تراكم الإصدارات الاحترافية واستهلاك عمليات التفنّن في القتل التي تعدّ أحد أهمّ عوامل تسليط الضوء على هذا النتاج ومن وراءه.
- زيادة الوعي بخطورة التنظيم وإعلامه عموماً.
يكمّل الأداء الإعلاميّ أداء داعش العسكريّ، ويتجاوزه في أحيانٍ كثيرةٍ عبر رسم صورة متقنةٍ ومضخّمةٍ لسلوك العصابات الكبيرة المسلحة التي استطاعت استغلال الفراغات الأمنية والعسكرية والاجتماعية لتصوّر نفسها كدولة. إلا أنّ التراجع العسكريّ أو الإعلاميّ قد يعيد الأمور إلى نصابها في الفترات القادمة، حتى لو استطاع التنظيم لفت الأنظار بين الحين والآخر.