كريستوف روتر/ مجلة دير شبيغل
ترجمة مأمون حلبي عن الإنكليزية
يلتقي بعض أطفال حيّ صلاح الدين يومياً في أحد ملاعب الحيّ ويلعبون لعبة الحرب، بينما تستعر الحرب الحقيقية على بعد أمتارٍ منهم، وتبتلع القبور المكان ببطء.
ماذا تفعل يا ماجد؟ "إنني أسقي أمي". يجرُّ ماجد سطلاً ممتلئاً فوق العشب الذابل. لكن لماذا تسقي أمك؟ يبدو الفتى الصغير حائراً. "لأنها هنا"، يجيب ويصبّ الماء على كومةٍ ترابيةٍ محاطةٍ بحجارةٍ الهدفُ منها تعليم المكان كقبر. ماتت أم ماجد في الصيف، لكن لم يكن أحدٌ في العائلة يملك ما يكفي من النقود لشاهدة قبرٍ مناسبة. "ماتت بمرض القلب وعمرها 35 عاماً"، يقول ماجد. لا يمكن له أن يكون أكثر دقةً من هذا، ففي حلب لم يعد أحدٌ يسأل لماذا يموت المرء. بعد أن يجرَ ماجد سطلاً ثالثاً إلى القبر، يعود إلى الأطفال الآخرين الذين يلعبون بالرمل. يحوي الملعب أجهزة لعبٍ للأطفال وكومة رملٍ صغيرة. وهو آخر ملعبٍ بقي في حيّ صلاح الدين.
يأتي أطفال الحيّ إلى الملعب كلّ يوم. الصغار منهم يملؤون علباً بلاستيكيةً بالرمل. "إننا نطبخ"، يقول جوجو ابن الخمسة أعوام. الأطفال الأكبر سناً يلعبون لعبة الحرب، وعلى مقربةٍ منهم يمكن سماع طلقاتٍ نارية، متفرّقةً أحياناً ورشقاتٍ كاملةً أحياناً. الانفجارات المتكرّرة تهزّ المباني المجاورة. لكن ماجد وجوجو والأطفال الآخرين لا يعيرون الأمر أيّ انتباه، لا لأنهم يستهينون بالخطر، بل لأنهم يعرفونه حقّ المعرفة. "هاون"، يقول عماد تعليقاً على دويٍّ مكتوم. "قذائف الدبابات لها صوتٌ مختلف". لأطفال حلب آذانٌ مدرّبةٌ على الأصوات التي ترافق الموت، لا سيما أطفال حيّ صلاح الدين. فملعبهم يقع على الجبهة مباشرة. الشارع التالي على الطرف الآخر في مرمى نار قنّاصي النظام، وهو ما يفسّر إقامة ساترٍ عند التقاطع المجاور للملعب. جدار الملعب الذي يواجه ذلك الجزء من المدينة هو مثل خطٍّ فاصلٍ بين الحياة والموت.
لقد تمّ ترسيخ قواعد خاصّةٍ وغريبةٍ للبقاء حياً في سوريا، وإحدى هذه القواعد هي أنه كلما ازداد قربك من خطّ الجبهة كلما قلَ خطر براميل الموت، لأن الطائرات تتجنب الأماكن التي يفصل فيها بين القوّات الحكومية والمقاتلين الثوار 100 مترٍ فقط. في كلّ مكانٍ آخر في النصف الشرقيّ من هذه المدينة، التي كان يسكنها أكثر من 2 مليون نسمة، ينهمر الموت من السماء أكثر من أيّ وقتٍ مضى. تضاعف عدد البراميل منذ تشرين الأول، إلا أن الوضع في الملعب طبيعيٌّ بشكلٍ غريب. ضمن نطاق الحرب يتمرجح الأطفال ويتزحلقون، وإحدى الكلمات المتكرّرة على ألسنتهم: "عادي". حقيقة أنهم يلعبون مجاورين مباشرةً لخطّ نار القناصين: "عادي". حقيقة أن كثيراً من آبائهم وإخوتهم وأبناء عمومتهم قد اختفوا أو قُتلوا: "عادي"، وأنهم أنفسهم شاهدوا الموت في كثيرٍ من الأحيان: "عادي".
عماد وماجد وصديقهم أحمد ما عادوا يلعبون بالرمل. لعب الرمل يليق بالرضّع حسب قولهم. "نحن نلعب لعبة جيش الأسد والثوّار"، يقول أحمد، الذي لم يصل سنّ البلوغ بعد. ويتابع قائلاً إنه وأصدقاءه يلعبون بنزاهة: "أحياناً يربح هذا الفريق وأحياناً يربح ذاك". طفلٌ واحدٌ فقط في المجموعة يمتلك بندقية كلاشينكوف بلاستيكية، أما الآخرون فيجمعون أسلحتهم من العصيّ والأغصان.
آلاف الأشخاص في حلب، وكثيرٌ منهم أطفالٌ، قضوا في الانفجارات ونيران الأسلحة أو سُحقوا تحت ركام بيوتهم المنهارة. لكن، بالنسبة إلى أولئك الذين استطاعوا النجاة، وبالنسبة إلى الأطفال الذين لم يعايشوا سوى الحرب لقسمٍ كبيرٍ من حياتهم، فقد أصبح الجحيم الذي يحيط بهم حقيقةً حياتيةً عاديةً ورتيبة. إنهم يستمرّون في اللعب. غير أن الحيّز المتاح لألعابهم يصبح أصغر بقليلٍ كلّ أسبوع. فالموتى يجب أن يُدفنوا في مكانٍ ما، وها هم قد وجدوا مستقرّاً أخيراً لهم هنا. عندما لا يكون أحمد ورفاقه في غمار اللعب، يقومون بسقاية القبور، والتي لا اسم على كثيرٍ منها. الشهداء من الثوّار وسكان المنطقة موجودون قرب المدخل. وفي الخلف يُدفن قتلى جنود النظام و"شبّيحته"، وهي ميليشيا تم تجنيدها من مجرمي الحيّ الوضيعين