من حريق مركز الطبقة الثقافي
ما تزال سريّة الإطفاء في الطبقة تنهض بأعباءٍ كبيرةٍ لا تنحصر بما يحدث في المدينة وأحزمتها المحيطة، فقطّاع عملها يصل شرقاً إلى حدود حلب وإلى المنصورة، وتوغل المساحة جنوباً وشمالاً إلى مناطق كبيرةٍ وشاسعة.
ولا تتمتع هذه السريّة بإمكانياتٍ مثاليةٍ بالنسبة إلى الحرائـــــق الكبيرة، إذ تقتصر مهمتها في هذه الحالة على استيعاب الحريق والإحاطة به ريثما يتم رفدها بنجداتٍ من المحافظة والمناطق المجاورة. وهذا مؤشرٌ خطيرٌ، لا سيـــــــما وأن المديــــــنة تجاور الســــــّدّ بمحـــطاتـــــه الحرارية العملاقة العاملة على الزيوت التي قد تسبب حرائق ضخمة، ناهيك عن حقول النفط المحاذية للمدينة جنوباً،
وهي بحدِّ ذاتها بؤر أخطارٍ قابلةٌ لإحداث حرائق عملاقةٍ في أية لحظةٍ وعند أيّ خطأ عابر. أمّا الحرائق الصغيرة فأمرٌ كان يمكن تداركه فيما سبق، في ظلّ ما كان متوفراً من آلياتٍ ووقودٍ ومعدات، وقد استطاعت السرية القيام فيه بعملها بشكلٍ محمود، ولكن...
يقول المهندس إبراهيم عثمان، رئيس مكتب الخدمات في المجلس المحليّ لمدينة الطبقة: تمرّ سرية الإطفاء بحالةٍ من الشلل الذي يتراوح بين التامّ أحياناً والجزئيّ أحياناً، بسبب الاحتياج الكبير إلى الوقود الذي يصعب تأمينه نتيجة الارتفاع الحادّ لأسعاره وعدم قيام أية جهةٍ بتأمينه لصالح السرية، في الوقت الذي يطالبها الجميع بالعمل لدرء مخاطر الحريق عند حدوثه. ولا يتوقف الاحتياج عند هذا الحدّ، بل يتعدّاه إلى قائمةٍ تطول من مركباتٍ كيميائيةٍ متعلقةٍ بإطفاء الحرائق، من مواد رغويةٍ ومدافع مائية، إلى جانب مستلزماتٍ خاصةٍ بالعاملين من ألبسة الوقاية المضادة للحريق والأحذية الخاصة وبدلات الغوص التي يستلزمها عملهم، لأنهم معنيّون أيضاً بإنقاذ الغرقى وانتشالهم من البحيرة عند حدوث تلك الحالات. فصار أفراد السريّة يستخدمون وسائل بدائية لإطفاء الحرائق، كالماء والتراب والرفوش. علماً أنهم لم يتلقوا مرتباتهم منذ أشهرٍ عدّة، وقد تخلت عنهم جميع الجهات، لدرجة أنهم صاروا يجدون أنفسهم مطالبين بالواجبات ومحرومين من أبسط الحقوق.
يقول أبو خالد (50 عاماً) من أهالي الطبقة: إن الاعتماد الكبير على الطاقة الكهربائية في كل أعمال التدفئة والأشغال المنزلية، بعد ارتفاع أسعار الوقود، زاد من الأحمال التي تعانيها الشبكة الكهربائية في المدينة، وهي شبكةٌ متهالكةٌ في الأصل، لم يتم تجديدها منذ تركيبها بدايةً قبل عشرات السنوات، فهي في حالةٍ سيئة، ومهيأةٌ للأعطال والاحتراق في كل جزءٍ من أجزائها. كما أن الانتشار الكبير لباعة الوقود، من مازوتٍ وبنزينٍ مكرّرين بطريقةٍ بدائية، والذين يتوزعون على الأرصفة والشوارع بشكلٍ لافت، يعدّ أمراً آخر يزيد من الأخطار المحدقة بالناس، مما تحدثه من حرائق بغير قصدٍ أو نتيجة وقوع القذائف قربها - وقد حدث ذلك وأدّى إلى وفاة أشخاصٍ كثر - وعند عجز سرية الإطفاء عن القيام بعملها فإن هذا قد يؤدّي إلى نتائج كارثية. ومما يزيد الطين بلة ضيق شوارع المدينة وحالات الاستيلاء والتعدّي بأعمال البناء او بالرصف العشوائي أو بتجاوز أصحاب المحلات التجارية على الشوارع الفرعية، مما جعل دخول السيارات مستحيلاً. ففي كثيرٍ من الأحياء باتت أعمدة الكهرباء ومجاري خدمات الصرف الصحيّ داخل الأحواش، التي امتدّت لتستولي حتى على الأرصفة. ومن ناحيةٍ ثانيةٍ تحيط بالمدينة أحراشٌ وغاباتٌ شاسعة، وقد حدث فيها غير حريقٍ تم تداركه بشقّ الأنفس، وبعد الاستعانة أحياناً بإطفاء المحافظة، جرّاء العجز الكبير الذي تعانيه سريّة إطفاء الطبقة، والتي انخفضت معدلات جاهزيتها إلى حدودها الدنيا في أحسن أحوالها.
ويتســـــاءل العاملون في الســـريّة بحرقة: أين تلك الجهات التي نصّبت نفسها لإدارة المدينة؟ أم أنّها في الواجب مسؤولة وفي الحقوق معفاة... وقد رفض جميع هؤلاء العاملين الحديث بشكلٍ مباشرٍ مع "عين المدينة".