- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
أحب اللاذقية! .. ومن لا يحب اللاذقية اليوم؟
على مرأى حاملي أسطوانات الغازات الفارغة الذاهبين بها لمحاولة ملئها، العائدين بكل معالم الخيبة حيث لا تزال الأسطوانات فارغة على أكتافهم، وفي ظل أزمة غاز، ووقود، وخدمات، وتراكم قمامة، وظروف جوية أدت إلى إغلاق كل ما يمكن إغلاقه من مؤسسات ومرفأ وطرقات، وفيضان كل ما يمكن فيضانه من بحيرات وبرك مياه متجمعة في الشوارع والساحات.. تم نصب مجسم تذكاري جديد في أحد أهم أحياء اللاذقية، نصب عبارة عن جملة تقول "I love Lattakia" بمعنى أحب اللاذقية.
في منتصف مدينة اللاذقية وتحديداً في دوار هارون، تم نصب الأحرف الملونة بألوان متباينة ليلفت أنظار المارة في المنطقة المعروفة بازدحامها، خاصة إلى القلب الأحمر الكبير الذي تم وضعه مكان حرف (o) في كلمة (love) حاملاً فوقه شعار شركات الاتصالات التي أنجزت النصب، سامسونغ والبراق.
ومن لا يحب اللاذقية؟ يتساءل مراد الحوا "صحفي معارض ما زال مقيماً في المدينة يستخدم الأسماء الحركية حمايةً لنفسه من الحب الكبير الذي تقدمه مدينته له، وتظهره يومياً.. من لا يحب اللاذقية؟" يعرّف مراد عن نفسه ويتابع: "بالتأكيد قد جاء هذا النصب التذكاري في الوقت الذي يمكن لأي مواطن في اللاذقية أن يقتلع حروف النصب في أي لحظة، أو أن يحرق دوار هارون بما فيه، فماذا سيحب اللاذقاني اليوم في مدينته، مهما كان منتمياً وعاشقاً للمدينة ولحكّامها من ميليشيات وهيئات رسمية تابعة للأسد. أزمة الكهرباء أم الغاز أم المياه، أم تراكم القمامة، أم حوادث الخطف والسرقة، أم أزمة المواصلات، أم العواصف المتكررة، والطوفانات؟".
يشير الصحفي إلى أن المدينة تمر اليوم بأقسى الأزمات المعيشية التي مرت بها على مدار السنوات السابقة؛ "كانت الأزمات غالبا ما تأتي تباعاً وخاصة خلال عامي 2014 و 2015، أزمة غاز تليها أزمة كهرباء يليهما قصف صاروخي يستهدف المدينة، فارتفاع أسعار، فانقطاع مواد تموينية، فأزمة خبز.. إلا أن وقتاً مستقطعاً كان يمضي بين تلك الأزمات يتيح للمواطن التنفس، أو محاولة تجميع أمواله ومصادره للتجهز للأزمة التالية.. بينما ما تشهده اللاذقية اليوم والساحل السوري عموماً، هو أزمة حياة بكل معنى الكلمة، ريفاً ومدينةً. لقد أدت العواصف إلى دمار المحصول الزراعي ككل وفيضانات المسطحات المائية، وغرق المزارع ومئات المنازل، في ظل انقطاع التيار الكهربائي المتكرر لساعات طويلة يومياً، ولأيام في بعض القرى، وفي ظل أزمة غاز كبيرة، وفقدان الكثير من السلع الضرورية كحليب الأطفال".
"أنت كمواطن لاذقاني اليوم من الممكن أن تكون جالساً بالعتمة في منزلك تفكر في خيبتك نتيجة عدم حصولك على جرة غاز، وتشعر بالبرد نتيجة عدم تأمين وسيلة تدفئة وانقطاع الوقود، وتبحث عن أي بديل لحليب الأطفال لطفلك الذي يشكو سوء تغذية بعد انقطاع الحليب من الأسواق، وتشعر بالخوف من حاجز الدفاع الوطني في حيّك فقد يستهدفك بتهمة الهروب من الاحتياط، وقد تختطف إحدى العصابات التي تجوب الشوارع ليلاً نهاراً زوجتك وتطلب منك الفدية بعد ساعات.. بهذه الطريقة ستكون بالفعل تحب اللاذقية، وستأخذ صورة تذكارية أمام النصب التذكاري الجديد احتفاء بكل تلك المصائب التي حدث جلّها، فيما الباقي قد يحدث في قادم الأيام فهذه المدينة خلاقة ومفاجئة"
نصب تذكارية عديدة تم إنشاؤها في اللاذقية خلال السنوات السابقة، أغلبها بمبادرات من شركات ومؤسسات تديرها شخصيات راعية لميليشيات وعصابات مقاتلة، فمن نصب البسطار العسكري والرصاصة -النصب الذي لاقى ما لاقاه من سخرية من قبل مؤيدي النظام قبل معارضيه، وخاصة بالإيحاءات التي حملها نصب الرصاصة- إلى نصب القلم والبندقية داخل جامعة تشرين، والذي يصعب التمييز بين مكوناته بسبب سوء تصميمه، إلى مجموعة من النُصب المرتبطة بالجيش والمقاتلين والقتلى والتي تنتشر في عدة قرى ومدن في اللاذقية وريفها، وصولاً إلى نصب الحب هذا، الذي قد يكون الأكثر استفزازاً للسكان.. فمن يمكنه اليوم أن يحب اللاذقية؟