باري لاندو/ مجلة Counterpunch الأمريكية/ 24 شباط 2015
ترجمة مأمون حلبي
خلقت الكارثة في سورية أسوأ أزمة لاجئين عرفها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حسب ما يقول رئيس مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة. ومن سخريات الأمور أن هذه المأساة تكشف عن ضآلة إسهام بعض الناس الأكثر ثراءً في العالم، الذين يتزعّمون دول الخليج الغنية بالنفط.
في الحقيقة، كان باستطاعة أيّةٍ من دول الخليج، وبأقلّ من 1% من أموالها، أن تقدّم كلّ مبلغ الـ1،266 مليار دولارٍ الذي حاولت مفوضية اللاجئين أن تجمعه العام الماضي لإغاثة اللاجئين السوريين ولم تنجح في ذلك. وانتهت المفوضية في عام 2014 بعجزٍ بنسبة 37% عن تحقيق هدفها. قد يظنّ المرء أن أولئك المشايخ والأمراء الذين تغمرهم البركة كانوا، ولا بدّ، منتظمين في طابورٍ ليساندوا محاولات مفوضية اللاجئين لتخفيف الكارثة التي لحقت بالملايين من إخوانهم العرب السنة، إلا أن ظناً من هذا النوع غير صحيح.
الكويت، كدولةٍ مانحةٍ، كانت استثناءً نوعاً ما. فقد قدّمت 93 مليون دولارٍ لمفوضية اللاجئين في عام 2014. ويُعدّ هذا المبلغ ثالث أكبر مساهمةٍ بعد الولايات المتحدة (303 مليون دولارٍ) والاتحاد الأوروبيّ (146 مليون دولارٍ). من ناحيةٍ أخرى، فإن مساهمة الكويت هذه كانت أكبر مما قدّمته كلّ دول الخليج الأخرى مجتمعة.
وليس السبب في هذا أن الهبوط الدراماتيكيّ في أسعار النفط مؤخراً قد أفرغ خزائن تلك الدول. فالقطريون، مثلاً، الذين لديهم ثروةٌ ضخمةٌ تقدّر بـ250 مليار دولار، يستمرّون في التهالك على شراء الفنادق والشركات وأندية كرة القدم وعقاراتٍ ومباني ضخمةً في شتى أنحاء العالم. ما هو مقدار ما أسهم به القطريون في تلك الحملة، وهم الذين لديهم ثاني أكبر دخل فردٍ في العالم (104000 دولارٍ في العام)؟ لقد قدّموا 26 مليون دولارٍ؛ أي أقلّ بكثيرٍ من ألمانيا (42 مليون دولارٍ) أو اليابان (34 مليون دولارٍ). وهذا المبلغ أقلّ بكثيرٍ أيضاً من الغرامة البالغة 58 مليون دولارٍ، التي أُلزمت العائلة القطرية المالكة بدفعها بسبب احتيالٍ غير قانونيٍّ للتهرّب من الضرائب على ممتلكاتٍ لهم في لندن اشتروها من وزارة الدفاع البريطانية بمبلغٍ هو فقط 1,5 مليار دولارٍ، ناهيك عن 120 مليون دولارٍ أنفقتها القوات المسلحة القطرية لشراء فندق ريناسنس في مدينة برشلونة.
وتحت تصرّف الأمراء في الإمارات العربية المتحدة ثروةٌ تبلغ 773 مليار دولار. ما هو مقدار مساهمتهم في حملة جمع الأموال للاجئين السوريين؟ 4,8 مليون دولارٍ. أي أقلّ من فنلندا بكثير، (7,84 مليون دولارٍ).
والآن مـــــاذا عن الســــــعوديين؟ حاكمهم الجديد، الملك سلمان، يدعم منصبه الجديد وسلطة عائلته بأُعطياتٍ كبيرةٍ تلت تتويجه، بلغـــــت حتى الآن 32 مليار دولارٍ جاد بها على معظم سكان بلده. السعوديون يُنفقون المال الآن؛ بعضهم يشترون هواتف نقالةً وحقائب يدوية، وبعضهم يقومون برحلاتٍ إلى الخارج. لقد سدّدوا ديونهم وتبرّعوا للجمعيات الخيرية واشتروا أطواقاً ذهبيةً لأمهاتهم. بعض الرجال خصّصوا نقوداً ليتّخذوا لأنفسهم زوجةً أولى أو ثانيةً أو ثالثة. وكان السعوديون كرماء أيضاً مع النظام العسكريّ في مصر. فقد تدبّروا، بالاشتراك مع دولٍ خليجيةٍ أخرى، مبلغ 12 مليار دولار ليسندوا حكومة الجنرال السيسي بعد أن أطاحت بالإخوان المسلمين، الذين تكرههم السعودية وتخشاهم. ووعد السعوديون بمزيدٍ من المليارات. لكن كم دفعوا لبرنامج اللاجئين السوريين الذي تديره المفوضية؟ في عام 2014، قدّم السعوديون، كمبلغٍ إجماليٍّ، 2,9 مليون دولارٍ، وهو مبلغٌ لا يكفي لشراء شقةٍ بغرفة نومٍ واحدةٍ في بلغرافيا (حيٌّ في لندن) هذه الأيام. حتى الدانمارك، البلد الصغير جداً، قدّمت أكثر، (6,2 مليون دولارٍ).
هكذا كان الأمر العام الماضي. لكن كيف تسير الحملة من أجل اللاجئين السوريين في هذا العام، مع تفاقم الأزمة؟ بالنسبة إلى العام الحاليّ تحاول مفوضية اللاجئين جمع مبلغ 1,342 مليار دولارٍ. اعتباراً من 16 شباط، ومع صورٍ تلفزيونيةٍ لأطفالٍ سوريين في أماكن إيواءٍ رثةٍ يموتون نتيجة ظروف الطقس القاسية، تلقت المفوضية تعهداتٍ بمبلغ 74 مليون دولارٍ، وهو ما يساوي فقط 6% من المبلغ المطلوب. لم تقدّم الولايات المتحدة أية تعهداتٍ ماليةٍ حتى تاريخه. كندا هي أكبر المانحين إلى الآن (أكثر من 10 مليون دولارٍ) والاتحاد الأوروبيّ (51 مليون دولارٍ). وماذا عن السعودية مع حاكمها الجديد السخيّ؟ لقد تعهّدت بمبلغ 2.773 مليون دولارٍ، وهو أقلّ من المبلغ الذي قدّمته العام الماضي. أما الإمارات فقد وعدت بمبلغ 2.247 مليون دولارٍ، وقطر بمبلغ 209 آلاف دولارٍ، أي ما لا يساوي حتى ثمن حقيبة يدٍ متواضعةٍ من جلد التمساح في محلات آسبريز.