«في انتظار العالم».. مقابلة مع أحد آخر الأطباء الموجودين في حلب

كريستوف رويتر

دير شبيغل/ 25 أيار

ترجمة مأمون حلبي عن الإنكليزية

 

أحد الأطباء القلائل المتبقين في حلب يناقش وضع المدينة اليائس، ويتكلم عن الهجمات التي تستهدف الأطباء والمشافي، شاعراً بالأسى لعجزه عن تقديم علاجاتٍ وافيةٍ في منطقةٍ دمرتها الحرب.

منذ قرابة 4 سنواتٍ وحلب الشرقية هدفٌ لقصف قوّات النظام الجوية، مع انضمام روسيا إلى حملة القصف منذ أيلول الماضي. وقف إطلاق النار الذي أُعلِنَ عنه في شباط غيّر الوضع لوقتٍ قصيرٍ فقط، إذ سرعان ما زاد جيش النظام من استهدافه للمدنيين. حدث القصف الأكثر مأساويةً قبل حوالي 3 أسابيع، عندما أطلقت طائرات النظام صواريخها مدمّرةً مشفى القدس، الذي تدعمه منظمة «أطباء بلا حدود». مات في هذا القصف أكثر من 50 شخصاً، بينهم محمد وسيم معاز، أحد آخر أطباء الأطفال المتبقين في المدينة. أسامة أبو العز، جرّاحٌ يبلغ الثلاثين عاماً، هو أحد الأطباء القلائل الذين ما زالوا صامدين. في بداية المقابلة -التي تمت بواسطة الهاتف- قال الطبيب إن حديثنا قد ينقطع إن كان عليه أن يجري عمليةً طارئة، أو إن اقتربت الطائرات من المشفى. هل كان للهجوم على مشفى القدس تأثيرٌ عليك وعلى عملك؟ بالتأكيد. ما نزال نجري إلى القبو كلما حامت الطائرات فوق المدينة. فهم قادرون على الاستهداف بدقةٍ أكبر بكثيرٍ مما كانوا يستطيعون من قبل، عندما كانوا يلقون براميلهم غير الموجّهة. كانت البراميل قويةً جداً، لكنها كانت تصيب أهدافها بدرجةٍ أقلّ. حالياً يصيبون أهدافهم، ومن الواضح أنهم يريدون إصابة وقتل آخر الأطباء والممرّضين في حلب الشرقية. كنت تعرف أحد ضحايا الهجوم الأخير بشكلٍ جيد، طبيب الأطفال محمد وسيم معاز. كانت تربطنا صداقةٌ حميمة. لم يكن لديه عائلة، وكان يعيش في المشفى تقريباً، ويعالج يومياً 100 وأحياناً 150 طفلاً. كان لا ينقطع عن العمل. والأهم من هذا أنه كان أمل أطفال حلب. كان أبو عبدو يزيل كلّ خوفٍ يتملكهم عندما كانوا يأتون إليه ينزفون. لقد تلقى عروضاً للعمل في أماكن أخرى، لكنه لم يغادر. وأنت؟ هل ستستمرّ في البقاء؟ لن أرحل. إن رحلنا نحن الأطباء فإننا لا نسرق من الناس فرصتهم في تلقي العلاج فقط، وإنما نسرق منهم أيضاً الأمل بأن مدينتنا ستبقى حية. لا يوجد بديلٌ لأيّ طبيبٍ يغادر أو يموت. كثيرٌ من الناس هنا يتملكهم الغضب الشديد بسبب الخوف واليأس. الأطفال في حالٍ من الهيستيريا، ويبولون في ثيابهم. كبار السن يصابون بتسرّعٍ في دقات القلب عندما يسمعون صوت الطائرات. من فضلك اعذرني لنصف ساعة... هناك حالةٌ طارئة. تمضي ساعتان قبل أن يعود الطبيب. حالة بتر. لدينا كثيرٌ من الحالات التي يجب علينا فيها أن نجري عمليات بترٍ مستعجلة. قبل بضعة أيامٍ كان لديّ هنا طفلٌ عمره 12 عاماً. كان يعاني من شظايا في بطنه، وكانت أمعاؤه تتدلى خارجاً. لكنه كان يعاني أيضاً من شظايا في صدره وجمجمته وإصابةٍ في عينه اليسرى. استطعنا تأمينه إلى تركيا، وأعتقد أنه فقد عينه. أنت لا تعتقد أن الهجمات عشوائية؟ إطلاقاً. كان لي 3 زملاءٍ كنت أقوم بمشاركتهم الرعاية للمحتجّين الجرحى في عام 2011. في أيار 2012 اعتقلوا معاً عند أحد حواجز النظام. بعد 3 أيامٍ وجد الأهالي 3 جثثٍ متفحمة. في الطبابة الشرعية تعرّفت أسر الأطباء الثلاثة إلى أبنائها. ماذا تقول لعائلتك بخصوص قرارك بالبقاء في حلب؟ زوجتي وأبنائي الثلاثة يعيشون حالياً في تركيا. عندما نتكلم عن هذا الأمر أقول لهم إن حياتنا في يد الخالق. آمل أنه سيحمينا. إن متُّ في مشفانا فعلى الأقل ذاك هو المكان الصحيح. قد أغادر المدينة وأموت في أيّ مكانٍ من العالم بحادثٍ مروريّ. ذلك سيعتبر خيانةً لكلّ الذين يأملون أن هذا النظام المجرم سيزول ذات يوم. لا أريد لأطفالي أن يكبروا كلاجئين. ينبغي أن يكونوا قادرين على العيش كأناسٍ أحرار. ما الذي تحتاجونه بشكلٍ مُلحٍّ وعاجل؟ أطباء وأجهزة مخبرية. لكن لم يَعُد أحدٌ يجرؤ على المجيء إلى هنا. أحد القلائل الذين أتوا كان الطبيب عباس خان، البريطانيّ الجنسية. بينما كان يتنزه مشياً في أحد الأيام ضلّ الطريق وانتهى به الأمر إلى منطقةٍ يسيطر عليها النظام. ألقي القبض عليه ومات بعد سنةٍ من التعذيب. نحتاج أيضاً إلى مشفىً على الحدود التركية لا يكون عرضةً للقصف.