"لو ما كان في ناشطين أوربيين وصحافة؛ كانت الشرطة الهنغارية أكلتنا"

كيف تحوّلت أزمة اللاجئين السوريين إلى قضية رأيٍّ عامٍّ عالميّ؟

سامر الجوري - برلين

في بداية شهر أيلول الحالي؛ كانت قد مضت عدّة أيامٍ على تجمع آلاف اللاجئين -معظمهم من السوريين- في محطّة القطارات المركزية في العاصمة الهنغارية بودابست، بعد إغلاق السلطات المحلية للمحطّة في وجههم. بدأت أزمة اللاجئين تأخذ منحىً مختلفاً إثر توالي الأحداث المأساوية التي تخصّهم، مما دفع المئات من ناشطي المنظمات والمتطوّعين المدنيين الألمان والنمساويين إلى التوجّه نحو المجر لاستقبال اللاجئين والمساعدة في نقلهم إلى هذين البلدين، ليساهم ذلك في تحويل قضية اللاجئين إلى قضية رأيٍّ عامٍّ في البلدان المعنية والعالم.

بداية الأزمة أعلنت السلطات المجرية الشروع في بناء سياجٍ حدوديٍّ، وتشديد الرقابة على طول حدودها مع صربيا، المنفذ الرئيسيّ للاجئين القادمين من اليونان مروراً بمقدونيا، في منتصف شهر تموز الماضي. أتى ذلك بعد تسجيل دخول ما يزيد عن 200 ألف لاجئٍ إلى البلاد خلال العام الحالي. ثم قامت الحكومة الألمانية بإلغاء العمل باتفاقية دبلن التي تقضي بإعادة اللاجئين إلى البلدان الأوربية التي مرّوا بها قبل وصولهم إلى أراضيها، مما شجّع أعداداً إضافيةً على التوجّه إلى ألمانيا. لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة؛ إذ فشل الاتحاد الأوربيّ في صياغة اتفاقٍ حول طريقة توزيع اللاجئين بشكلٍ يتناسب مع طاقة الدول على الاستيعاب، مما أدّى إلى استمرار السلطات المجرية باحتجاز اللاجئين إلى حين تفجّر الأزمة في نهاية شهر آب الماضي. حاول مئات اللاجئين التوجّه إلى النمسا من محطة بودابست، ولكن السلطات المجرية قامت بإيقاف تسيير رحلات القطارات، ليبدأ اللاجئون بالاعتصام في المحطة. جاء ذلك بالتزامن مع اكتشاف السلطات النمساوية لشاحنةٍ مهجورةٍ تحوي جثث 71 لاجئاً سورياً قضوا اختناقاً في داخلها. لم تمض سوى أيام قليلة حتى هزّت العالم صورة الطفل إيلان الكردي المرمية على شاطئ البحر، لتبدأ بعد ذلك حملة تضامنٍ غير مسبوقةٍ تجاه اللاجئين في أوربا وسط تخبّطٍ في قرارات الدول الأوربية. استمرّ توافد ما يقارب الـ500 لاجئٍ بشكلٍ يوميٍّ إلى المحطة، ليفوق عددهم الـ3000 آلاف شخصٍ يفترشون الأرض، إلى أن وصل المئات من الناشطين والمتعاطفين الأوربيين ووسائل الإعلام، فقرّر نحو 1200 معتصمٍ بدء مسيرٍ على الأقدام نحو الحدود النمساوية، رغم أنّ المسافة تزيد على 200 كيلومتر. 

nms

رحلة المئة ميل يقول أحمد من الحسكة: "قرّرنا نطلع، حتى لو مشي، بعد ستّ أيام انتظار بالمحطة، وقبلها أسبوع بالمخيّمات الهنغارية. طلعنا يوم 4 الشهر [أيلول] الظهر. كنا أكثر من ألف. مشينا شي 30 كيلومتر عالطريق السريع. صارت الساعة 1 ونص بالليل، والناس فرطت من التعب. قرّرنا ننام، وبلشوا العالم يناموا على جنب الطريق. وبعد كم ساعة قالولنا رح يبعثو باصات تاخذنا عالحدود". في غضون ذلك، اتفقت السلطات الألمانية والنمساوية والمجرية على إرسال حافلاتٍ لتقلّ اللاجئين إلى النمسا. وبالفعل تمّ إرسال ما يناهز المئة حافلة، لكن الكثير من اللاجئين نظروا إلى هذه الخطوة بتوجّس، نظراً لتخوّفهم من أن تغيّر الحافلات وجهتها وتسلك طريق المخيّمات الهنغارية التي هربوا من سوء معاملتها. لذا تمّ الاتفاق بين منظمي المسير السوريين وبين الشرطة على تسيير حافلةٍ واحدة، وحين يتمّ التأكد من وصولها إلى الأراضي النمساوية يجري إرسال مجموعةٍ أخرى، وفق ما أفاد به آلان حصاف، أحد الناشطين المرافقين للمسير. وصل اللاجئون إلى النمسا وسط ترحيبٍ محليٍّ، نقلت وسائل الإعلام صوراً منه. كما فُتحت محطّة قطارات بودابست مع بدء تسيير الرحلات إلى فيينا بالمجان. لتسجّل سلطات مدينة ميونخ في جنوب ألمانيا دخول 12 ألف لاجئٍ خلال 48 ساعة. الناشطون والمتطوّعون الأوربيون لم تستطع ألمانيا والنمسا إيقاف توجّه آلاف الناشطين والمتضامنين إلى المجر لنقل اللاجئين ومساعدتهم، بالرغم من أن قوانين الدولتين تقضي بالحكم بالسجن لمدّةٍ تصل إلى 8 سنواتٍ على من يسهّل عملية إدخال المهاجرين بشكلٍ غير شرعيٍّ إلى البلاد. يقول إلياس بيرابو، وهو أحد الناشطين في منظمة "تبنَّ ثورة" الألمانية: "حين وصلت إلينا أنباء تجمع اللاجئين في بودابست قرّرنا التوجه من برلين إلى هناك. وبالتنسيق مع مجموعة نشطاء نمساويين قمنا بالتحضير لتسيير قافلة سياراتٍ حتى نتمكن من نقل العالقين وتقديم المساعدات العينية والمادية لهم والوقوف إلى جانبهم. كما قمنا بالتواصل مع وسائل الإعلام لتغطية هذه الأحداث". يقول عمر من دير الزور، وهو أحد اللاجئين الذين دخلوا بمساعدة الناشطين: "كنت بالمخيّم بهنغاريا، وكانت الشرطة الهنغارية تعاملنا مثل الغنم. بعدين طلعت من المخيّم وما كان في طريقة أسافر فيها عالنمسا، حتى المهرّبين كانو خايفين. أخذنا تكسي ع مدينة هيغيشالوم على الحدود، بس كانت القطارات واقفة. بالمحطة لاقاني شبّين نمساويين معهم "فان مغلق" وسألوني إذا بدّي أروح عالنمسا؟ قلتلهم إي. قالولي طلاع معنا. وصلوني على فيينا، أنا وشبّ كان معاي وزلمة ومرتو. بس لو ما كان في ناشطين وصحافة؛ كانت الشرطة الهنغارية أكلتنا". وفي السياق ذاته يفيد أحمد: "ببودابست إجو وجابو معهم أكل وشرب للعالم، حتى دكاترة وحلاقين كان في. ولما طلعنا عالنمسا استقبلونا الناس هناك بشكل رائع بالمحطة، وكلو كان يسأل إذا لازمني شي. ما كان بدّي إلا أوصل على ألمانيا، ووصلت"، يضيف ضاحكاً. لدى سؤاله عن دوافع هذا التحرّك يجيب إلياس بيرابو: "من الطبيعي أن نحاول القيام بأيّ مساهمةٍ من شأنها تخفيف محنة اللاجئين، خاصّةً بعد حادثة الشاحنة في النمسا وصورة الطفل إيلان وما سبق ذلك من حوادث. ووجدنا في ما يحدث في المجر فرصةً للعمل بشكلٍ مباشرٍ، مع علمنا أنّ أعداد اللاجئين كبيرةٌ جداً وأننا لا نقدر -كناشطين ومنظماتٍ مدنيةٍ- تقديم المساعدة لهم جميعاً. لكن، على الأقل، نأمل أن نستطيع تشكيل ضغطٍ على الحكومات الأوربية للتعامل مع جذور هذا الملفّ، وخاصّةً في سوريا". ويضيف بيرابو: "ما كان مفاجئاً بالنسبة إليّ هو حجم التضامن الشعبيّ مع القضية؛ رأيت أفراداً وعائلاتٍ ألمانيةً ونمساويةً ومجريةً قطعت مئات الكيلومترات لتقديم المساعدات للاجئين واستقبالهم".

nam

على أبواب مركز اللجوء في برلين ليس بعيداً عن مبنى مركز تقديم طلبات اللجوء في العاصمة الألمانية برلين؛ يفترش عمر الأرض، حاله كحال ما يقارب 1500 من الذين وصلوا في الأسبوعين الماضيين، يشكون من بطء الإجراءات والازدحام الكبير. يقول عمر: "صارلي يومين أنتظر أحصّل رقم. أوّل يوم، بعد 11 ساعة انتظار، ما قدرت أدخل. أخذونا على كامب بعيد مليان، كنا 7 بالغرفة. جيت ثاني يوم متأخر وما قدرت أحجز دور بعد ما انتظرت 6 ساعات. اليوم بدّي نام بالحديقة مشان أجي أوقف الساعة 4 الصبح أحجز دور بالصفّ قبل ما يفتح المركز، وإنشالله أحصّل رقم، لأنو العالم فوق بعضها. وبعدين نشوف وين ياخذونا". دفع الوضع في مركز اللجوء اثنين من اللاجئين إلى التهديد بالانتحار برمي أنفسهم من سطح أحد المباني، مما استدعى تدخل الشرطة والطوارئ وتعطيل عمل المركز لساعاتٍ، ليتمّ في النهاية حلّ المشكلة واقتيادهم إلى أحد المخيّمات مع وضعهم تحت الإشراف النفسيّ، بحسب ما قالت إحدى المتطوّعات العاملات مع اللاجئين في المنطقة. رغم مشقة الانتظار، تعدّ خطوة تقديم طلب اللجوء أولى الخطوات التي يجب اتباعها في طريق اللجوء الطويل في ألمانيا، إذ يتمّ بعد ذلك فرز اللاجئين إلى المخيّمات لينتظروا مصير ملفاتهم بعد أن تحال على المحكمة التي ستبتّ في طلبات لجوئهم. ولا يُعرف كم من الأشهر قد تستغرق هذه الإجراءات، بالنظر إلى عدم جهوزية ألمانيا للتعامل مع هذه الأعداد الكبيرة التي دخلت أراضيها هذا العام، وفي الأسبوعين الأخيرين خصوصاً. ما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الحديث عن خطة طوارئ للتعامل مع أزمة اللاجئين في البلاد، الذين يعيش أكثر 200 ألفٍ منهم في مخيّماتٍ مؤقتة. فيما خصّصت الحكومة الألمانية مبلغ مليار يورو ضمن ميزانية العام القادم لاستيعاب احتياجات 800 ألف لاجئ، وهو الرقم الذي من المتوقع أن تبلغه أعداد اللاجئين في ألمانيا خلال هذا العام. أعلنت السلطات الألمانية، يوم الاثنين الماضي، عن دخول 63 ألف لاجئٍ جديدٍ –يشكّل السوريون معظمهم- إلى البلاد خلال 13 يوماً، في وقتٍ بدأت فيه بتطبيق إجراءات تشديد الرقابة على حدودها، وإقرار الحكومة المجرية لقانونٍ يتيح احتجاز الداخلين إلى أراضيها بصفةٍ غير شرعيةٍ. فيما لا يزال اختلاف الدول الأوربية حول سياسة توزيع واستيعاب اللاجئين بين دول الاتحاد قائماً. دون أن تطرح على الطاولة، حتى الآن، ضرورة التعامل مع جذور القضية. وفي سوريا؛ يكمن جذر القضية في دمشق.