هل تنظيم الدولة الإسلامية ذروة الشرّ؟ هذا ما يريدون منّا أن نعتقده

أووين جونز/ الغارديان/ 3 آذار
ترجمة مأمون حلبي

 

ثمة شيءٌ في تعبير (القنبلة البرميلية) لا يستطيع تصوير الرعب الذي يبثه هذا السلاح. قد يكون السبب تشابه الأحرف الأولى للكلمتين barrel bomb الذي له خاصّيةٌ مرحة، أو ربما لأننا نربط البراميل بالبيرة والنبيذ، لكن القنابل البرميلية مصدر رعبٍ ووحشيةٍ لا يمكن تخيلهما. فبالإضافة إلى المواد المتفجرة، غالباً ما تحوي شظايا معدنيةً تزيد في عملية قتل البشر. هذه البراميل، التي يتمّ إسقاطها من ارتفاعاتٍ تجعل الإصابة الدقيقة للهدف مستحيلة، يستخدمها نظام بشار الأسد، حليفنا الفعليّ -لنكفّ عن التظاهر عكس ذلك- وحتى وقتٍ قريبٍ استخدمتها الحكومة العراقية أيضاً. في عامٍ واحدٍ فقط، قتلت هذه البراميل أكثر من 6000 شخصٍ في سوريا، ثلثهم تقريباً من الأطفال. لكن نظام الأسد لا يستعرض متباهياً بوحشيته، ولا ينتج فيديوهاتٍ لها تأثيراتٌ هوليوودية. عوضاً عن هذا، يتبنى النظام نفس النبرة الآسفة التي تتبناها القوى الغربية، كما حدث عندما ألقت الولايات المتحدة مادة الفوسفور الأبيض، الحارقة للحم البشر، فوق الفلوجة. نحن نأسف لأية إصابةٍ في صفوف المدنيين (أو "أضرارٍ جانبيةٍ"، كما يفضّل الغرب). نحن لا نستهدف المدنيين، على عكس خصومنا. حصاد الموت قد يكون أكبر بكثير، لكن النوايا المزعومة مختلفة: على عكس خصومنا، نحن لا نهدف إلى قتل المدنيين، لذا نحن نحتفظ بتفوقنا الأخلاقي. والأهمّ من هذا، نظام الأسد لا يعدم الغربيين البيض ويصوّرهم سينمائياً. تنظيم الدولة هو الآن رمزٌ للشيطان، ومنبعٌ للكوابيس. في زمن الحرب، يجري التعامل مع عدم مشاركتك بحماسةٍ كافيةٍ في التشهير بعدوّ الشعب الحاليّ رقم واحد (أي تنظيم الدولة) كتبريرٍ للشرّ، أو حتى كأمرٍ قريبٍ من الخيانة. انطبق هذا الأمر على نظام الأسد في صيف 2013 بعد أن تمّ الادّعاء بقتله مئات المدنيين الأبرياء بالغازات السامة. الآن حلّ تنظيم الدولة محلّ نظام الأسد.

يجب أن لا يكون لدى أيّ شخصٍ أية أوهامٍ حول أن مسلحي تنظيم الدولة ليسوا قتلةً برابرةً يجب أن يُهزموا، حتى ولو كنا نختلف حول الكيفية التي ستُنجز بها هزيمتهم. لكن جرت الموضة أن تُضفى عليهم صفة الشرّ المتفرّد، وغرائبيةٌ كابوسيةٌ يتوقون إليها: أولاً، لأن ذلك يسمح لهم بسحق أعدائهم الذين يمتلئون رعباً لدرجة أنهم يهربون عوضاً عن أن يقاتلوا، وثانياً، لأن ذلك يحسّن سمعتهم بين المتعاطفين ويساعدهم على كسب المتطوّعين. ها هنا مثالٌ من عمودٍ حديثٍ في جريدة بريطانية: "نلاحظ لدى تنظيم الدولة الإسلامية مستوىً من الوحشية كنا نأمل أننا لن نشهده أبداً في حقبة ما بعد النازية". أحقاً؟ وماذا عن بول بوت ومجازره؟ وعمليات القتل الجماعية لملايين الشيوعيين في إندونيسيا في ستينيات القرن الماضي؟ وماذا عن القصف المكثف الذي مارسته الولايات المتحدة بحقّ فيتنام ولاوس وكمبوديا؟

تم مؤخراً التعرّف على هوية محمد الأموازي، لكنه ما زال معروفاً على نطاقٍ واسعٍ باسم "الجهادي جون"، وهو الآن يصل إلى مستوى شهرة أسامة بن لادن. لا بدّ أن الأموازي يستمتع بتحويله إلى رمزٍ شيطانيٍّ لدى الغرب، وهو صيتٌ مرذولٌ، يقابله تقديسٌ في صفوف المؤمنين الحقيقيين من تنظيم الدولة. في أجواءٍ من هذا النوع، يعامَل أيّ مستوىً من الفهم يذهب أبعد من "أصيبوا بعدوى إيديولوجيا سامة" على أنه تبريرٌ للتنظيم. أنا لا أعرف كيف أصبح الأموازي متطرّفاً، وأيّ شخصٍ يقول بشكلٍ قاطعٍ إنه يعرف هو أحمق أو نصَّاب، لكن من المؤكد أن دراسة كلّ عاملٍ محتملٍ هي أمرٌ معقول. نحن غير قادرين على القيام بهذا، لأن هكذا مشروع يضع المرء تحت خطر أن يُصوَّر على أنه يساعد تنظيم الدولة! هل دراسة، لنقل، دور معاهدة فرساي والأزمة الاقتصادية في صعود النازية يعني تقديم تبريراتٍ لها؟

إن حديثاً عقلانياً عن الأسباب وعن الحلول الممكنة يكاد يكون مستحيلاً. ببساطة، مطلوبٌ منا أن نقول إن تنظيم الدولة هو الشرّ في شكله الأكثر بدائيةً، ولندع الأمر عند هذا الحدّ. القنابل والسجون هي الإجابة المشروعة الوحيدة، وأيّ شخصٍ يقول غير ذلك هو إما تبريريٌّ أو خائنٌ أو كلاهما. وبهذه الطريقة، تستمرّ علاقة التعايش بين القوى الغربية والنزعة الجهادية.