نزار نيّوف وصرف النظام الصحي

مع بداية الثورة وازدهار عصر المعلّقين التلفزيونيّين، وجدت قنواتٌ عديدةٌ في «المعارض» نزار نيّوف المواصفات القياسية المؤهِّلة للظهور على شاشاتها و«تحليل» الحدث السوري. وذلك لكون الرجل معارضاً لنظام الأسد، مقيماً خارج البلد، من ناحيةٍ، ولتحدّره من الطائفة العلوية، وما لذلك من تقديرٍ ومراعاةٍ إعلاميّتين، من ناحيةٍ أخرى. وبالفعل، لبّى نيّوف نداء الواجب، وبدأ بنغمة معارضة النظام وشتمه ومساندة الشعب الثائر على الهواء مباشرة. ولكن، لم يطل الأمر بعد ذلك حتى تطوّرت الآراء وتغيرت المواقف من خلال موقعه على الإنترنت، المسمّى (الحقيقة السورية)، الذي بدأ بنشر الأخبار «الحصرية»، التي خفت فيها صوت معارضة النظام، لا بل بدأ بتأييد رواياته الإعلامية عن الثورة وتدعيمها. لكن، بالمقابل، تثير شخصية نزار نيّوف الانتباه، لأنها عينةٌ بارزةٌ لتيارٍ من «المعارضين» السوريّين المزدوجين، الذين أدّت الثورة إلى نفض الغبار عن تشوّهاتهم وبعثهم يرزقون، وهذا ما يستدعي الفهم والتحليل.
«الحقيقة.. الموقع الوحيد الذي تجمع السلطة ومعارضتها اليمينيّة الإسلامية على كرهه وبغضه ومطاردته حين يعري كذبها ودجلها واحتيالها على الناس في مواجهة الحقيقة.. فلا تجدان سبيلاً إلى مواجهته سوى شتمه وشتم القائمين عليه!».

بهذه الجملة يستهلّ موقع نزار نيّوف صفحته الرئيسية، بالإضافة إلى عشرات العناوين عن «مرتزقة الجيش الحر» و«جهاد المناكحة» و«الثورة الوهابيّة». وبهذا لا يحتاج المرء إلى الكثير من التأمّل للوصول إلى طريقة عمل الدماغ النيّوفي، فهناك دائماً عُملةٌ واحدة، تمثّل «السلطة» وجهها الأول، وعلى الوجه الثاني تتموقع «المعارضة اليمينيّة الإسلاميّة». ويقف النيّوف وحيداً لا يعترف إلا بالشتم كلغةٍ يستخدمها "كارهوه"، ليبيح لنفسه استخدامها على الملأ.

لكن، بعيداً عن القذاعة النزاريّة، يصعب على المتصفّح لموقع الحقيقة إيجاد ما له علاقة بالشعب السوري أو ما يبرر له الدفاع عن نفسه. فكيف لذلك أن يحدث و«القوى المتطرفة» تقود هذا الشعب وتتشكّل منه؟ ليتجاهل النيّوف عن عمدٍ الظروف القسرية التي مرّت على الناس، لصالح آراءٍ مسبقةٍ لا تخفي الذعر الأقلّوي من الإسلام، ولا تبطن النظرة الثقافيّة الفوقيّة إلى الشعب، عن سوء جهلٍ واحتقار.

فيستسهل الجاهل التعميم ليصبح الثوار كلهم وحوشاً تكفيرية تتناهش بلده الذي يحبّ، فالكلّ يقتل الكلّ، وتمتلئ الشوارع بعمليات السحل المنظّم. وتكثر أخبار الحقيقة عن المجازر التي تقوم بها «عصابات الجيش الحر» بحق الأقليات، وتمسي المؤامرة الكبرى تنفَّذ بدمٍ باردٍ ـ كما يحلو للنظام الأسدي القول ـ وإلا كيف تتحالف جبهة النصرة مع الإخوان المسلمين والمجلس الوطني وإسرائيل وحسن عبد العظيم وهيئته التنسيقية والائتلاف الوطني وقطر والسعودية، ولكلٍ منهم ذراع عسكري يعمل على قدمٍ وساقٍ، في عقل موقع الحقيقة النيّوفي؟ هكذا، إذن، يصبح الخيار الأفضل هو بقاء النظام البريء بإجرامه والعلمانيّ بطبيعته.

حَدَتِ الأخبارُ التي يروّجها موقع «الحقيقة» وصاحبه بالكثيرين من جمهور الثورة المطّلع إلى وصفه بالعمالة للمخابرات السورية، لتكون هذه الصفة المفسّر الوحيد لأدائه لدى الثوار.

لكن، في الحقيقة، يصعب تصنيف هدا الكائن على أنه عنصر مخابرات، بل هو الوجه الآخر لثقافة هذه الأجهزة، متسلحاً بآرائه المعبئة مسبقاً في مصانع الفاشيّة والطائفيّة والمغلّفة بطبقةٍ من اليساريّة تبيح لصاحبها شيطنة الثورة وشعبها وخلط الأوراق، للوصول إلى نفس النتائج التي تعب النظام الأسدي على صنعها.

يمضي السوريون، كلٌ على جبهته، في معركة الانعتاق من الأسد، ولا يكترثون لا للحقيقة ولا لغيرها. فالحقيقة تبقى في الرغبة بالخلاص من النظام وممّن يصبّون الماء في بركته الآسنة. لينتهي المطاف بالنيّوفيّين إلى الخرف على وقع الهزيمة.