- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
مطلوبون للنظام بريف دمشق يفضلون المغادرة نحو مناطق أكثر أمناً
يبدو أن خطة النظام السوري لإخراج الشبان المتوارين بريف دمشق من أماكن إقاماتهم السرية لن تنجح بشكل كامل، نظراً إلى أن مئات الشبان المطلوبين للخدمة العسكرية وبنسبة أقل للأفرع الأمنية، لا يزالون يفضلون الاختباء بانتظار حل ينقذهم من مأساتهم، لا يتمثل طبعاً بالاستجابة لعمليات التسوية الأمنية الموسعة التي يعمل عليها النظام السوري منذ فترة، كونها تصب في سياق واحد: الخدمة في الجيش حتى أجل غير معلوم.
جديد مراكز التسوية بريف دمشق كان في مدينة داريا التي لا يزال العشرات من شبانها متغيبين عن الأنظار. فيما سبقت عملية التسوية هذه افتتاح مراكز مشابهة في كل من معضمية الشام، التل، الكسوة، وزاكية. تخللتها حملات للبحث عن مطلوبين للخدمة العسكرية، إذ يمكن الحديث عن مئات المتوارين المطلوبين للسوق إلى الخدمة العسكرية ممن دخلوا في السنوات الماضية في سن الخدمة ولا يرغبون بتأديتها كونها غير معروفة الأجل.
وتشير مصادر أهلية من داخل داريا لعين المدينة، إلى إقبال مجموعات من الشبان المتوارين داخل المدينة على "تسوية أوضاعهم" عقب افتتاح مركز التسوية يوم الخميس الماضي، وذلك بهدف خلاصهم من الملاحقة الأمنية التي جعلت حياتهم قاسية جداً، لكن القسم الأكبر من أبناء المدينة وهم الذين يقيمون خارجها، لم تغرهم وعود النظام المعسولة في العفو وتسوية الأوضاع، ما يوضح أن البيئات التي احتضنت قوات المعارضة سابقاً بريف دمشق لا تحبذ انخراط أبنائها في جيش النظام إلا عند الضرورة القصوى.
وجهات نظر
يمتنع شفيق (اسم مستعار لشاب من ريف دمشق 21 عاماً) عن مغادرة منزله بإحدى بلدات ريف دمشق، وحين يضطر إلى الخروج يتجنب المرور من الحواجز المتمركزة على الأطراف، وهذا ما جعله يفقد عمله في نجارة الموبيليا منذ تخلفه عن الخدمة العسكرية الإلزامية.
يقول لعين المدينة أنه اعتاد على الحياة السرية التي يعيشها منذ سنتين تقريباً. "لا أخرج إلى السوق إلا للضرورة. أمر من طرقات فرعية، وأسير بهدوء لكن بتيقظ وحذر شديدين. تعرضت لمخاطر الاعتقال أكثر من مرة من قبل دوريات الشرطة العسكرية المنتشرة، لكني تمكنت من الإفلات".
بالنسبة إلى الشاب لا تمثل خطط تسوية الأوضاع التي ينتهجها النظام بريف دمشق أي عامل إغراء، لأن "النهاية معلومة. سأتخلص من الملاحقة لكني سأحشر في إحدى القطع العسكرية بجيش النظام لسنوات غير معلومة العدد".
على النقيض من توجه شفيق وعدد كبير من المطلوبين الرافضين الاستجابة لنداءات التسوية، تشكل إجراءات التسوية الحالية عامل إغراء لبعض الشبان خاصة من أبناء معضمية الشام، حيث تشرف الفرقة الرابعة على المدينة منذ اتفاق إخلائها من مقاتلي المعارضة في تشرين الأول 2016. ويرجع السبب في ذلك إلى أن المدينة شكلت حالة مغايرة نسبياً لبقية مدن وبلدات التسويات بريف دمشق، من حيث مستوى التفاهمات التي تعد الأفضل مقارنة بباقي كانتونات المعارضة الأخرى.
وبحسب المعلومات التي أوردها موقع صوت العاصمة المعارض، خصصت عملية التسوية الأمنية التي جرت في معضمية الشام في 8 شباط الماضي، للأشخاص العائدين إليها خلال السنوات الثلاث الماضية. ويفيد الموقع بأن قرابة 100 عائلة من أهالي المدينة خضعوا للتسوية الجديدة بناء على اتفاق بين فرع الأمن العسكري ولجنة المصالحة في المدينة.
خيارات لا تخلو من مخاطرة
للتخلص من الحياة السرية الناجمة عن الملاحقة الأمنية، يقلب الشبان المتوارون بريف دمشق الآراء، خاصة مع استمرار حملات البحث وإقامة مراكز التسوية. يحاول بعضهم الحصول على وثائق تأجيل لقاء دفع مبالغ مالية كبيرة، مثل أكرم (اسم مستعار لشاب من داريا 22 عاماً) الذي وقع ضحية لحيل أحد النصابين، فقد وعد الشخص الذي يعمل غالباً لصالح أحد الضباط "بترتيب معاملات تأجيله عن الخدمة العسكرية لقاء مبلغ مليون ونصف ليرة، لكنه أغلق هاتفه فور استلامه المبلغ دون أن يعيد دفتر الخدمة العسكرية".
في السياق يسعى آخرون وهم الشريحة الأوسع من الشبان المتوارين إلى مغادرة البلاد، وقد تمكن قسم كبير من الخروج من المنطقة إلى لبنان عبر شبكات تهريب. ومن لبنان تتعدد وجهات المسافرين لتشمل إقليم كردستان العراق، مصر، وبنغازي في ليبيا. من هؤلاء بشير (22 عاماً)، الذي نجح في السفر إلى مصر بكلفة كبيرة بلغت 7 آلاف دولار.
كما ينجح آخرون في التوجه نحو إدلب حيث يقطعون المسافة التي تصل بين دمشق ومناطق المعارضة في خمسة أيام تقريباً ليتوجه بعضهم نحو تركيا، بينما يفضل الآخرون البقاء في إدلب. يقول محمد (شاب من ريف دمشق 23 عاماً) لعين المدينة، أنه تواصل مع أحد سائقي الحافلات لإيصاله إلى إدلب بمبلغ ألفي دولار، وقد تمكن من "الوصول بسلامة بعد أيام قاسية، مررنا خلالها بحواجز كثيرة، كان السائق يدفع لها المال كل مرة".
يترتب على عمليات خروج الشبان نحو إدلب مخاطر كبيرة، مثل تعرضهم للخطف أو الاعتقال. وفي هذا الصدد يؤكد أحد سكان مدينة داريا لعين المدينة، أن أخاه حاول الهروب من دمشق قادماً من لبنان نحو إدلب، لكن "يبدو أنه خطف من قبل إحدى العصابات، وحتى اللحظة لا نعلم شيئاً عنه".