مجلة دابق.. عندما يتحدّث داعش الإنكليزية

  «الشرارة التي اشتعلت هنا في العراق، سيشتدّ وهجها -بإذن الله- حتى تحرق جيوش الصليبيين في دابق». بعبارة أبي مصعب الزرقاويّ هذه يفتتح تنظيم داعش الأعداد الخمسة التي صدرت حتى الآن من مجلته، التي حملت اسم البلدة الواقعة شمال مدينة حلب.

وبعيداً عن الأسباب العقائدية للتسمية، والتي حرص العدد الأوّل الصادر في رمضان الماضي على شرحها، أثار ظهور المجلة الكثير من التساؤلات حول المضمون "الفكريّ" لها والغاية منها. خصوصاً إذا عرفنا أنها موجّهةٌ لغير الناطقين بالعربية، فهي تُنشر -إلكترونياً فقط- بالإنكليزية، وتترجم إلى الفرنسية والألمانية والروسية.
ولا يلحظ المتابع لأعداد المجلة أيّ اختلافٍ عن الخطاب الإعلاميّ المتداول لداعش. ولكن يمكن تقسيم عناوينها تحت أربعة خطوطٍ عريضة:

الجانب الدعويّ والتعبويّ:

تندرج تحت هذا الخط الموضوعات التي تطرّقت إلى ضرورة الهجرة والجهاد ومبايعة الخليفة، مع الإستدلال على ذلك بالآيات والأحاديث النبوية والآراء الفقهية. ولا تخفي المجلة هدفها باستقدام المزيد من "المهاجرين" من أرجاء العالم، كما جاء في رسالةٍ وجّهها البغداديّ نفسه ونشرتها المجلة في عددها الأوّل، ثم عادت مراراً وتكراراً للحديث عن واجب الهجرة. كما ربطت بعض العناوين بين "الدولة" وبين النجاة من الطوفان الأعظم. بالإضافة إلى التذكير الدائم باقتراب الساعة، وحدوث الملحمة الكبرى على أرض الشام، وظهور المسيح الدجال، وهزيمة الصليبيين.

الجانب الدعائيّ:

يركز هذا الجانب على بزوغ عصر القوّة والكرامة الجديد للمسلمين، بحسب أحد العناوين. وتظهر في العناوين الأخرى "فرحة" الناس في ظلّ الخلافة، وصورٌ من التهافت المزعوم للجموع لمبايعة الخليفة. ولا بدّ بالطبع من تكرار الشعار التسويقيّ للتنظيم (باقية وتتمدد)، والاحتفال بآخر منجزاته التوسعية. وتنشر المجلة في كلّ عددٍ مجموعةً من التقارير عن أعمال "الدولة الإسلامية" الخدمية والصحية، في دعوةٍ صريحةٍ إلى الهجرة الى أرض الميعاد التي تُقام فيها الحدود وتُتلف السجائر وتُهدم أضرحة وتكايا الشرك، بحسب وصف المجلة.

الجانب الحربيّ:

ويستعرض أبرز المعارك و"الإنجازات" العسكرية لداعش، والأسلحة والغنائم التي يملكها، مغطياً المعارك بالصور والتحليل، مثل معارك تلعفر وعين العرب وغيرها، ومظهراً صور قتلى من تسمّيهم المجلة بالروافض أو النصيرية على أيدي "المجاهدين"، بالإضافة إلى صور "الشهداء السنّة الذين قتلوا على أيدي الجيشين الصفويّ والنصيريّ"، وأخرى "لاستشهاديي" التنظيم وعملياتهم. وفي هذا الإطار لم تجد المجلة غضاضةُ من الحديث عن سبي النساء اليزيديات وبيعهنّ، أو عنونة مقالةٍ مصوّرةٍ بـ"عقاب الشعيطات الخونة"، مع شرح المجزرة التي ارتكبها التنظيم بحق عشيرة الشعيطات، في ريف دير الزور، في شهر آب المنصرم.

جانب الإعلام المضاد:

تتناول موضوعاته أعداء "الدولة"؛ فتنشر صور قادة الجيش الحرّ وما تسمّيه المجلة بالصحوات، وتستشهد المقالات هنا بمقتطفاتٍ وأقوالٍ لشخصياتٍ غربيةٍ تحدثت عن قوّة التنظيم وسطوته. وتقول إحدى المقالات إن باراك أوباما سيقود الولايات المتحدة إلى الانهيار، وتحمّل الحكومة الأمريكية -بكلّ براءةٍ!- مسؤولية مقتل الصحفيين الغربيين الذين تم إعدامهم، مع نشر رسائلهم.

***

اتفق معظم المراقبين الغربيين والعرب على الإعجاب بالإخراج الفنيّ للمجلة، وعلى ملاحظة الحرص الشديد الذي أبداه تنظيم الدولة في إيصال الرسالة البصرية، من خلال الصور والخطوط والتصميم. وهذا ما دفع الكثير من هؤلاء المراقبين إلى التساؤل الجديّ عن القدرات والكفاءات والإمكانيات المادية التي يمتلكها التنظيم، والتي تقف خلف هذه "الوسيلة الإعلامية". وهذا بالضبط ما دفع التنظيم إلى اختيار الإنكليزية لا العربية لغةً لـ"مطبوعته"، متوجّهاً الى المراقب الغربيّ لا إلى جمهور الرازحين تحت سلطته. فبهذه الطريقة يمتلك الشبح لساناً يتحدث به بلغة من يشعر بالنقص تجاههم، ليوحي باتساع قدراته وإمكانياته، ويرهبهم بالتفوّه بما يشاء من عقده دون أن يستطيعوا رؤيته. أما من يعرفونه وينطقون بلغته... فلا حاجة –مبدئياً- لمجلةٍ لترهبهم.