قانون التدخين غير الموحّد في دير الزور 75 جلدةً لمدخنٍ وغضّ الطرف عن آخر

إحدى الطرق المتبعة بدير الزور لتمرير لفافات التبغ

كان للأخبار والروايات المتناقلة عن عقوبات المدخّنين من قبل مقاتلي "الدولة الإسلامية" دورٌ رئيسيٌّ في توقف الكثير من سكان دير الزور ذاتياً عن التدخين في الأماكن العامة، بمجرّد سيطرة التنظيم على المدينة. إذ يطبّق شرعيو "الدولة" فتوىً دينيةً تحرّم التدخين وتعاقب "مرتكبيه" بعقوباتٍ تصل إلى الجلد على أيدي عناصر "الحسبة" –تيمناً بالتاريخ الإسلاميّ- المسؤولين عن قمع المخالفات وتطبيق القوانين والأحكام الشرعية في الشارع.

ومع اختلاط عناصر التنظيم بالسكان -وبعض هؤلاء العناصر من شبّان المدينة- ظهرت جوانب مختلفةٌ لمسألة التدخين، تتجاوز الطريقة الآلية الشائعة حول مكافحته. اذ تخضع عملية المكافحة تلك لاعتباراتٍ وظروفٍ بعيدةٍ عن الفتوى الشرعية. وقد تحوّل القانون في حالاتٍ كثيرةٍ إلى وسيلةٍ للانتقام والتنكيل بالخصوم السابقين، أو للظهور بمظهر صاحب الشأن والسلطة الذي يعفو عن الناس أو يعاقبهم في اللحظة التي يشاء. ويذكر شهودٌ واقعة القبض على مدخّنٍ يعمل في الصيدلية المجانية وجلده 75 جلدةً، بعد احتكاكٍ بسبب موضوعٍ شخصيٍّ مع أحد عناصر التنظيم، والذي يعرف، كما تعرف "الحسبة"، من قبل أن "جريمة التدخين" تحدث طوال اليوم في تلك الصيدلية، لكنهم غضّوا الطرف عن ذلك إلى أن وقعت الخصومة بين عامل الصيدلية وجندي "الدولة". وليست حادثة الصيدلية هي الوحيدة، بحسب ما يقول مهدي، وهو مقاتلٌ من الجيش الحرّ: "أكثر ما عانينا منه بالبداية هو انتقام أولاد البلد اللي بايعوا الدولة لتصفية حسابات قديمة".
ويروي مهدي قصةً حدثت معه شخصياً: "واحد من عناصر المجموعة اللي كنت أقودها بايع الدولة وصار مع الحسبة. وقفني أوّل ما فاتت الدولة عالدير وفتشني لأنه يعرف اني أدخن، لقى باكية وصادرها".
يتحدّث سكان مدينة دير الزور عن تخفيفٍ طفيفٍ في رقابة عناصر الحسبة على الناس، معللين ذلك ببدء الضربات الجوّية على مواقع التنظيم. إذ تقلص عدد "الدوريات" في الأسواق والشوارع والأمكنة العامة، وتوقفت عمليات التفتيش الفجائية على صالات الإنترنت بحثاً عن المدخنين. ويُرجع عضوٌ سابقٌ في الكتيبة الأمنية المنحلة التغيّر الحاصل في سلوك مقاتلي التنظيم إلى انشغالهم بقضايا أخرى بعيداً عن المدينة: "فدير الزور مو من أولوياتهم. وشكون قدّموا للناس حتى يفرضون قوانينهم؟ ولما يعطون شي، مثل ما صار الشهر الماضي، بلشوا يدققون على كل شغلة".
ويقول مقاتلٌ من الجيش الحرّ في حيّ الصناعة: "لما أجا مندوب الدولة تا يسلمنا مصاري، طفى المدخنين سيجاراتهم. ولما سمعوا أنه المنحة 14 ألف بس، رجعوا شعلوا سيجارات جديدة وصاروا ينتقدون الدولة".
وفي حيّ الحويقة، حيث ينتشر مقاتلو التنظيم بكثافة، يُمنع التدخين نهائياً، ويُعاقب كل من يُقبض عليه "متلبّساً"، بحسب ما يذكر مقاتلٌ من الجيش الحرّ، كان شاهداً على حادثة زجّ ستةٍ من عناصر التنظيم نفسه في السجن بتهمة التدخين، بالرغم من الحاجة الميدانية إليهم.
بعد تفجير الجسر اليوغسلافيّ، وهو المعبر الوحيد إلى المدينة، لم تبق إلا السفن الصغيرة وسيلةً لنقل البضائع بين ضفتي نهر الفرات، تحت إشراف عناصر التنظيم ومراقبتهم الدائمة لعملية النقل هذه. وبالرغم من ذلك، بحسب بائعٍ سرّيٍّ للدخان في حي الحميدية، ما زال الدخان يدخل إلى المدينة. ويتهم البائع عناصر التنظيم أنفسهم بالمتاجرة بالدخان والتحكم بأسعاره: "باكية الحمراء بالريف 120 ليرة وبالبلد هون بـ205". ويلاحظ أحد المدخنين: "أكثر شي متوفر الحمراء الطويلة، وأقلّ شي الأجنبي. هذول دولة إسلامية ولا الريجي تبع بشار؟!".
تذكّر قضية منع التدخين في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم بقضيةٍ تاريخيةٍ هي تحريم شرب القهوة، عندما أصرّ بعض الفقهاء المتعصبين على تحريم البنّ -الذي استساغه معظم المتصوفة- وحرّض هؤلاء الفقهاء العامة ضد المشروب الجديد، إلى أن اضطرّ السلطان سليمان القانونيّ إلى منع شرب القهوة قطعاً للسجال الحاصل حولها في ذلك الوقت. ويُسجّل الفرق بين المسألتين بثبوت ضرر التدخين طبياً، ثبوت كان يمكن أن يجعل موقف التنظيم من الدخان يحسب في صالحه لو عرفت "حسبته" كيف تعامل الناس بشكلٍ مختلف.