في ولاية الفرات.. ما يزال سكّان البوكمال سوريين، وسكّان القائم عراقيين

خلال إزالة تنظيم الدولة للساتر الترابي عند معبر القائم الحدودي

نحن الآن في أرض الخلافة، ونسافر بين مدينتين من الولاية ذاتها؛ ولاية الفرات التي تضم مدناً وبلداتٍ وأراضٍ من العراق وسوريا. الرحلة قصيرةٌ جداً. 

في موقع البوابة الحدودية القديمة، تتوقف السيارة للحظاتٍ قبل أن يشير لها عنصر داعش بأن تواصل سيرها، دون أن يتحرّك من كرسيه، لندخل فوراً إلى مدينة القائم العراقية الملاصقة للحدود. بضع دقائق فقط لينتقل الراكب بين دولتين سابقتين.
يقول التجار إن فروق الأسعار تضاءلت إلى حدٍّ كبير بين المدينتين، وفق مبدأ "الأواني المستطرقة". إلا أن الفروقات الأخرى بينهما
ما زالت على حالها؛ فآمال البوكماليين وآلامهم مختلفةٌ عن آلام وآمال جيرانهم في القائم، كما تختلف كثيرٌ من الأشياء بينهما. إذ تعدّ أكثرية سكان القائم –باستثناء مكوّنٍ عشائريٍّ واحدٍ- تنظيم داعش مخلّصاً من اضطهاد الإيرانيين، ممثلين بحكومة بغداد الطائفية، بينما ينظر سكان البوكمال إلى داعش باعتبارها احتلالاً جديداً بعد عامين من التحرّر من حكم الأسد.
ولا يتشابه خصوم داعش في المدينتين أيضاً، اذ يتحدّر معظم أعداء داعش في القائم من عشيرة "البومحل"، إحدى بطون قبيلة الدليم العربية السنية، والتي شكل أبناؤها، في بداية الاحتلال الأمريكيّ للعراق، كتيبة الحمزة لمقاومة هذا الاحتلال، قبل مساندته بعد خلافٍ مع تنظيم القاعدة آنذاك، تطوّر إلى صراعٍ دامٍ، لتكون الحمزة أو البومحل أحد المؤسّسين الأوائل لما عرف في ذلك الوقت بالصحوات. وبفعل الثارات والأحقاد القديمة لم يجد "بومحل القائم" بدّاً من التصدي لداعش أثناء تمدّدها الأخير في الصيف الفائت. وكانت آثار هذا التصدّي باهظةً عليهم، فتفرّق شمل هذه العشيرة بين مدن النزوح. وأعاد بعض شبانها النازحين في مدينة حديثة تشكيل كتيبةٍ تقاتل داعش، بذات الاسم و"العقيدة القتالية". في حين يعمل معارضو داعش في البوكمال بعقيدةٍ أخرى تنطلق من قيم مكافحة التسلط والظلم والحرية، وهي القيم ذاتها التي انطلقوا منها في ثورتهم على نظام الأسد. ولا يجمعهم نسبٌ أو مصلحةٌ –بحسب ما يقولون- إلا نسب الثورة السورية ومصلحتها.
هناك فارقٌ آخر بين كلٍّ من سكان القائم وسكان البوكمال، يصعب محوه في وقتٍ قريب؛ فذاكرة أبناء القائم تحمل أيام تفوّقٍ ونفوذٍ –كحال معظم سنّة العراق- في عهد صدام حسين، ولا توجد للبوكماليين أيامٌ كهذه في عهد حافظ الأسد. ولكن الثورة السورية التي أخلصوا لها منحتهم الفرصة ليشاركوا بشيءٍ ما في سوريا التي كانوا يعيشون على أطرافها قبل أن تخلعهم داعش منها وعلى الورق فقط، دون أن تخلع سوريا من قلوبهم ومن أنفسهم.