في أربيل.. تكاليف إذن الإقامة ترهق العمال السوريين

من أربيل - بعدسة الكاتب

تزيد تكاليف الحصول على الإقامة من الصعوبات التي يواجهها السوريون في مدينة أربيل. وتجبرهم على القبول بأعمال شاقة ولساعات طويلة، دون خيار لكثير من الشباب سوى الوقوع في المخالفات أو المغادرة تهريباً نحو بغداد في معظم الحالات، رغم ما ينطوي عليه ذلك من مخاطرة.

مهن كثيرة ليست متاحة للسوريين هنا بسبب عوائق اللغة ومنافسة اليد العاملة المحلية. الكثير من حملة الشهادات العالية لا يعملون باختصاصاتهم، وتعتبر مجالات البناء والفنادق والمطاعم وغسيل السيارات الأكثر استقطاباً للعمال السوريين.

جاء مصطفى إلى أربيل بعد أن سمع عن توافر فرص العمل بأجور مقبولة هي أعلى بكثير مما أتيح له في سوريا، ومن دون يوم عطلة وكل يوم، يعمل من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء في مغسل سيارات، ورغم قلة الراغبين بهذا العمل بسبب صعوبته في فصل الشتاء البارد، فإن الراتب أفضل بكثير مما حصل عليه في سوريا. يقول: "بسوريا كنت أشتغل مندوب لشركة عدد صناعية وزّع البضاعة ع المحلات، والراتب ما كان يكفيني مواصلات". يجتهد مصطفى للادخار لكي يستطيع تجديد الإقامة، إذ لا يتجاوز راتبه 300 دولار شهرياً، قسّمها بسهولة إلى مئة للسكن ومئة له ومئة يرسلها لزوجته وولديه في درعا. ورغم صعوبة العمل يرى أنه محظوظ، لأن المغسل قريب من مكان السكن ورب العمل يعامله معاملة جيدة، فهو يستطيع الحصول على استراحة للتدخين، ولا يحتاج إذناً لدخول الحمام.

"الراتب كتير قليل، وما فيني اشتغل شغل تاني لأنه الدوام كتير الطويل" قبل عامين فقط كان الأجر المتوقع لمثل هذا العمل في أربيل يتجاوز 450 دولاراً، لكن الأجور بدأت بالانخفاض مع ازدياد أعداد السوريين وحاجتهم للعمل، وبات أكثر ما يشغل مصطفى وأمثاله هو صعوبة الادخار لدفع 600 دولار لتجديد الإقامة، فهو يرغب في العودة لزيارة عائلته عندما تسنح له الفرصة. على النقيض من محمد، وهو شاب من ريف دمشق في الخامسة والعشرين من عمره، كان طالب معهد مصرفي وقرر السفر هرباً من الخدمة الإلزامية، غادر سوريا ولا يخطط للعودة.

لكنه تعثر في أربيل حيث وجد نفسه عاطلاً عن العمل مع توقف ورشات البناء في بداية فصل الشتاء، وعاجزاً عن تجديد الإقامة حيث يترتب عليه دفع 20 ألف دينار عراقي غرامة عن كل يوم تأخير، أي ما يزيد عن 350 دولاراً شهرياً، علماً أن ورشات البناء تدفع للعامل العادي أقل من 20 ألف دينار في اليوم. 

لا يملك محمد سوى قوة عمله، ولم يستطع أصدقاؤه ومعارفه مساعدته سوى بتغطية بعض المصاريف الضرورية، "ما توقعت تكون الأمور سيئة لهدرجة، بس الوضع بسوريا أسوء بكتير". توقف محمد عن البحث الجاد عن عمل وبدأ البحث عن طريقة للمغادرة إلى الإمارات، إما عن طريق دفع الغرامات أو المخاطرة بطرق التهريب إلى بغداد حيث يمكنه مغادرة العراق دون دفع تلك الغرامات.

إن فرصة العمل الجيد هنا لا تكفي وحدها لحماية صاحبها. جاسم أربعيني من مدينة الرقة يعمل في تركيب ديكور جبصين، لديه خبرة طويلة في هذا المجال وعمله مستقر، لكنه عجز عن تجديد الإقامة، لأن المحامي "نصب عليه" على حسب قوله، وبالرغم من أنه استطاع استرداد المبلغ، لكن عليه دفع مبلغ كبير نسبياً قبل أن يستطيع تجديد الإقامة بسبب تراكم الغرامات.

يقول: "في محامي وعدني يساوي لي إقامة بالسليمانية، مشان تلتغى المخالفة بأربيل". لكن المحامي مصلح محمد وهو مدير مكتب لتأمين إقامات أربيل، يرى أن هناك فهماً خاطئاً بخصوص هذا الإجراء، إذ لا فائدة من الحصول على إقامة السليمانية، إلا في حال المغادرة من مطار السليمانية باتجاه دولة أخرى، والحصول لاحقاً على ڤيزا جديدة إلى أربيل. أما بالنسبة إلى المغادرة باتجاه الأراضي العراقية خارج إقليم كوردستان فهي غير قانونية، وتنطوي على خطر الحبس وربما تؤدي إلى الترحيل إلى سوريا. من جهة أخرى لا تتخذ أي إجراءات بحق المخالفين في أربيل من قبل الأسايش (الأمن الداخلي) كالحبس أو الترحيل، بل يُخلى سبيلهم مع حثهم على تسوية أوضاعهم عن طريق دفع الغرامات، ويُعطى المخالف بعدها مهلة لتجديد الإقامة أو المغادرة.