ضحايا الابتزاز الإلكتروني في سوريا بين فكي الجناة والمجتمع.. واللجوء إلى القانون أفضل الحلول

غدت فرص تعرض النساء خاصة للابتزاز الجنسي كبيرة جداً مع التطور الرقمي وثورة السوشيال ميديا، التي تمكن الجناة من اختراق ضحاياهم بشتى الوسائل بهدف الحصول على صور وتسجيلات مرئية ورسائل ومقتنيات خاصة تجعل الضحايا تخضع لشروطهم، أو تواجه التلويح بنشر هذه المقتنيات مع مخاطر الفضيحة التي يعززها المجتمع.

نجحت مساعي حسيبة (اسم مستعار لفتاة من دمشق) في التخلص من "فضيحة" كانت ستقضي على سمعتها وتجعل صورها الخاصة متاحة للجميع على السوشيال ميديا. وتقول الفتاة العشرينية لعين المدينة أن بداية قصتها كانت عندما وضعت هاتفها لدى محل لصيانة الأجهزة إثر تعرضه لكسر في الشاشة. نسيت حسيبة نزع "كارد" التخزين الخارجي قبل تسليم الهاتف لمعلم الصيانة، وهذه كانت الثغرة التي تعتبرها حسيبة "غلطة الشاطر" قد حولتها إلى إحدى ضحايا الابتزاز الجنسي الإلكتروني.

مع امتصاص هول الصدمات الأولى التي تمثلت بمراسلات الشاب الذي عمل على صيانة هاتفها طالباً مواعدتها في أحد الأماكن المغلقة. لجأت حسيبة في البداية لأسرتها، وعن ذلك تستطرد قائلة "كان فتح الموضوع مع أسرتي مخيفاً وأقرب إلى الانتحار، فنحن أسرة محافظة. في البداية حدثت أمي بالموضوع وقامت بإخبار شقيقي الذي ذهب فوراً إلى مخفر الشرطة مقدماً شكاية ضد الشاب".

كان حظ الفتاة جيداً فقد زج بالشاب في السجن ثم أجبر على توقيع تعهد بعدم التعرض لحسيبة، التي تؤكد أنها لم تتخلص من الخوف والقلق على خلفية هذه الحادثة. "يمكن أن تكون صوري قد نسخت وتم الاحتفاظ بها في جهاز آخر للشاب، ربما يكون قد أودعها لدى أحد أصدقائه" إلى آخر هذه الشكوك التي تقول الفتاة إنها "سكنت داخلها لأن كلام الناس لا يرحم".

يعرف القانون السوري الابتزاز الإلكتروني بأنه عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين.

ويعتبر الابتزاز الإلكتروني للنساء من حالات العنف القائمة على النوع الاجتماعي وهو من أشكال العنف ضد المرأة، ويعد من أكثر أشكال انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً في جميع أنحاء العالم، ويتسبب بأضرار جسيمة تطال الضحايا من بينها الميل إلى العزلة، وعدم الرغبة في التعامل مع الآخرين، وتقويض الثقة بالنفس وعدم الشعور بالأمان والإصابة بالاضطرابات النفسية، كالقلق والتوتر والخوف وجنون الشك والاضطهاد. لكن النتيجة الأخطر هي اتجاه الضحية لأذى النفس من خلال محاولة الانتحار نتيجة للضغط الشديد والخوف من الفضيحة والتهديد الذي تقع الضحية فريسة له، خاصة وأن أغلب الضحايا من المراهقات.

ويلجأ المبتزون لالتقاط صور أو تسجيلات مرئية لضحاياهم، أو يقومون بعمليات اختراق إلكتروني لمعرفاتهم الشخصية على السوشيال ميديا، كما توفر حوادث السرقة فرصة كبيرة لهؤلاء كي يعثروا على ضحايا جدد من خلال سرقة الأجهزة الشخصية وفتحها بطرق مختلفة، أو شرائها ممن يسرقها والعمل على اختراقها.

وعلى صفحات السوشيال ميديا تنشط معرفات بأسماء وهمية مهمتها اختراق الحسابات الشخصية من خلال المراسلات عبر ماسنجر، أو حث المستخدمين على النقر على رابط معين يمكن هذه المعرفات من اختراق الحسابات الشخصية والأجهزة بما فيها الاستديو الذي يحفظ داخله الصور، والمراسلات والبيانات والوثائق المحفوظة.

تعرضت حنان (اسم مستعار لفتاة من إدلب) لعملية ابتزاز من خلال تطبيق ماسنجر بعد اختراق حسابها من قبل أحد الهاكرز المحترفين، وأثناء اختراقه للحساب تمكن الهاكر من الاستحواذ على صور ومراسلات تخص حنان.

تفاجأت في أحد الأيام برسالة إلكترونية صادمة.."كانت عبارة عن صورتي بدون حجاب" وفق ما تؤكد حنان لعين المدينة، وتضيف "عرف الشاب عن نفسه بأنه من دمشق ويرغب بإقامة علاقة غرامية معي مهدداً بإرسال صوري الشخصية إلى أقاربي".

لم تخضع حنان للتهديدات ظانة أن الشاب لن يقوم بتنفيذها، وهنا كانت "المصيبة الكبرى" بحسب تعبيرها. فقد "غدت الصور على حساب شقيقي على ماسنجر وتعرضت للتعنيف من قبل العائلة". تتابع حنان بأن أسرتها بعد أن امتصت الصدمات الأولى، فضلت اللجوء إلى القضاء من خلال استشارة محامي لمناقشة جدوى رفع دعوى ضد الجاني، لكن المشكلة هنا تمثلت بعدم معرفة الجاني، وهذا ما عقد المشكلة أكثر حيث تؤكد حنان أن قضيتها لم تنته بعد، لكنها تشعر ببعض الأمان لوقوف أسرتها إلى جانبها.

ردة فعل وقائية

يمكن الحديث عن مظاهر وقائية عامة أتت كردة فعل للمجتمع السوري ذي الأغلبية المحافظة على تنامي حالات الابتزاز، منها الامتناع عن بيع الجوالات المستعملة خوفاً من لجوء المشترين إلى إعادة الصور والفيديو عبر تطبيقات خاصة بذلك. وحول هذه النقطة يوضح أبو فراس أحد العاملين في صيانة الجوالات أن التطبيقات يمكن أن تعيد بعض الصور والفيديوهات حتى وإن كان الجهاز قد خضع لعمليات ضبط المصنع أو "سوفت وير".

ويضيف لعين المدينة أن "الأفضل عدم بيع الهاتف المستعمل إذا كان يحوي ملفات خاصة، تحسباً من استعادة جزء منها وقيام الجهة التي اشترت الجهاز بالتواصل مع المالك السابق وإخضاعه لتهديدات لا يمكن التكهن بنتائجها، لكنها لن تكون في صالح المالك السابق على أي حال". ويفضل معظم مقتني الأجهزة النقالة نزع الكارد وبطاقة الهاتف قبل وضعه قيد الصيانة خوفاً من اختراق كلمة السر والدخول إلى الملفات السرية، كما يلجأ كثيرون لتسجيل كلمات سر قوية ومعقدة.

وبالتوازي مع ذلك، تلجأ معظم الإناث خلال الحفلات العامة والأعراس إلى عدم نزع الحجاب أو ارتداء ملابس مكشوفة خاصة في الصالات العامة، تحسباً من وجود أي كاميرا سرية يمكن أن تسجل فيديوهات، أو خوفاً من التصوير بالموبايل التي تتم عادة في مثل هذه المناسبات.

تفيد إحدى السيدات وتقيم في مدينة إدلب لعين المدينة، أنها تمتنع امتناعاً تماماً عن المشاركة في الحفلات الراقصة التي تتم في الأعراس، مفضلة الجلوس بكامل ملابسها الساترة بسبب معرفتها بوجود نسوة يلتقطن صوراً سرية دون فلاش بعد إخفاء صوت الموبايل حتى لا يكتشف أمرهن. وتضيف بأن مجرد وجود صور لأنثى على موبايل شخص آخر حتى ولو كانت امرأة، يمكن أن يكون سبباً في طلاقها من زوجها، ف"المجتمع لا يرحم الإناث ولا ينظر نظرة بريئة إلى قصص من هذا النوع".

القانون يحمي الضحية والمجتمع يفضحها

إذا كان خوف الضحية من الفضيحة يؤدي في الغالب إلى استرسال الجاني وتنامي حالة الابتزاز، فإن لجوءها إلى القضاء على الرغم من مخاطره في خروج القضية إلى العلن، يعد الخيار الأمثل للتخلص من ربقة الابتزاز الجنسي وكف يد الجناة عن تتبع ضحاياهم.

وخلال حديث لعين المدينة يعزو عمار عز الدين مدير مكتب هاتاي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، تفشي ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في سوريا إلى الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وتنوعها، وعدم وجود رقابة أسرية أو عدم فعاليتها، مؤكداً أن السبب الأخطر هو غياب السلطة والمرجعيات القانونية الناظمة لحركة المجتمع السوري والمتتبعة لجرائم الإنترنت، ما يترك الباب واسعاً ضمن هذا الفضاء لممارسات شتى دون ضوابط.

ويشير عز الدين إلى أن "القانون في جميع المناطق السورية يدعم الضحية، حيث بإمكان الفتاة أن تقدم بنفسها الشكوى وتتابعها أو تقوم بتوكل محامٍ يقوم نيابة عنها بتقديم الشكوى للجهة القضائية المختصة. لكن الضغط الاجتماعي الممارس عليها أكبر بكثير من القدرة على مواجهته وتجاوزه وأخذ حقها بالقانون".

وتختلف المرجعية القانونية في التعامل مع جرائم الإنترنت في سوريا وفقاً للجهة المسيطرة، حيث تُعتمد مواد القانون السوري في مناطق سيطرة الجيش الوطني، بينما تعمل محاكم إدلب وريفها ضمن الإطار الشرعي. أما النظام فيعتمد على قانون الجريمة الإلكترونية الذي ينص على المعاقبة بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وغرامة من 3 إلى 4 ملايين ليرة سورية "كل من هدد بالنشر أو نشر على الشبكة صوراً ثابتة أو متحركة أو محادثات أو تسجيلات صوتية منافية للحشمة أو الحياء عائدة لأحد الناس ولو حصل عليها برضاه، وتشدد العقوبة لتصبح السجن المؤقت من خمس إلى سبع سنوات وغرامة من 4 إلى 5 ملايين ليرة إذا وقع الجرم على قاصر".