شرعي.. شرقية.. شيخ
مفردات جديدة في حياة السوريين

من الصعب وضع حد لتدفق الكلمات الجديدة إلى لغة السوريين منذ بداية الثورة حتى الآن، كما أنه من الصعب إحصاؤها، لكن يمكن التمييز في الكلمات والمصطلحات الغريبة بين ما هو من اختلاق السوريين أنفسهم بسبب المعاناة وطبيعة الأحداث، وآخر حمله معه عامل خارجي غريب عن الثقافة العامة لأهل المنطقة، وتحديداً جاء مع المقاتلين المهاجرين.

منذ ظهور الجماعات الإسلامية المقاتلة في العام 2012، وخصوصاً في محافظة دير الزور، بدأت تنتشر كالنار في الهشيم مفردات ذات طابع إسلامي مثل (شيخ، بيعة، شرعي، شرقية، أمير.. )، بدايةً اقتصر تداول هذه المفردات على عناصر تلك الجماعات، ولكن، وبحكم انتماء قسم من هؤلاء العناصر لبيئات محلية، وترحيب أهلي بالمهاجرين آنذاك، فقد انتقل استعمال تلك الكلمات إلى محيط الجماعات الإسلامية، ثم انتشرت بعدها إلى التداول بين عامة الناس، ليضيف هذا الانتشار والتداول العديد من الدلالات إليها قبل أن تعود ثانية إلى مصدرها الأساسي.

تعد كلمة (شرعي) من الكلمات الأكثر رواجاََ اليوم، في حين كان استعمالها قبل الثورة محصوراََ في أوساط محددة، ومضافة إلى مسمى وظيفي، كالقاضي والطبيب الشرعي. لكن باستعمالها الحالي مفردة تصير مصطلحاََ من المصطلحات الجديدة والمستحدثة، ويقابل هذا المصطلح من الكلمات المعروفة (المفتي والشيخ والإمام..) والتي تطلق على من يؤم الناس في صلاتهم ويعلمهم أمور دينهم، وقد يجمع مدلولات تلك الكلمات معاََ، على أن الأكثر قرباََ له في المدلول هو المفتي. واكتسبت الكلمة رواجاََ كبيراََ لما يحمله الشرعي من مكانة مرموقة ومتميزة بين العناصر التي تحمل إيديولوجية دينية، ويعتبر بمثابة المنظر لأتباعه، وبغض النظر عن مقدرته على ملء ذلك المكان أو لا، فإن الجو العام يتيح له ذلك في ظل انتظار العناصر أخذ أماكنهم كأتباع، أو بحثهم عن مرجع يثقون به، وغطاء معنوياََ لابد منه. والشرعي شخص خضع لعدة دورات تعليمية (شرعية)، وليس بالضرورة أن يكون قد ألم بكل العلوم الشرعية، بل يكفي أن يمتلك لوناََ خطابياََ حماسياََ، ويأتي ببعض الفتاوى الجديدة والغريبة التي تحمله عادة إلى عالم الشهرة، ما يمنحه المقدرة عند ذلك على إطلاق الأحكام الدينية والفتاوى الشرعية التي يحتاج إليها هذا التنظيم أو ذاك.

إلى جانب «الشرعي» تأتي كلمة (شرقية) ضمن المصطلحات الجديدة الرائجة كذلك، كان أول من أطلقه هو أبو محمد الجولاني (أمير جبهة النصرة آنذاك) مخاطباً أبناء جبهة النصرة في ديرالزور، وردده بعده في خطاباته أبو ماريا القحطاني (شرعي الشرقية) كما يسميه أنصار النصرة، وامتدت كلمة شرقية حتى أصبحت صفة تدخل في معظم أسماء فصائل المنطقة الشرقية، وخصوصاً دير الزور، بغض النظر عن قربهم أو بعدهم من الجماعات الإسلامية، فهناك (أحرار الشرقية، أسود الشرقية، درع الشرقية، تجمع أبناء الشرقية) وينظر قسم من أبناء دير الزور في هيئة تحرير الشام إلى كلمة شرقية برضا أكثر من كلمة ديرالزور، لأنه (الدير) تدل على دور العبادة عند المسيحين، أما شرقية فكلمة ذات مدلول إسلامي عربي، كما يرى البعض، على أن استعمالها الواسع والمحبب اليوم قد غطى على سبب ظهورها الأساسي، لتتحول من كلمة استعملت بقصد إلغاء أخرى قديمة إلى كلمة تدل على الانتماء والمرجعية.

أما المفردة التي توازي في انتشارها الكلمتين السابقتين فهي كلمة (شيخ) أو (يا شيخ) ، ولعلها تسبق الكلمات الأخرى في شيوعها وكثرة استعمالها لأكثر من قصد كالاحترام والتقدير والتلطف أو التبجيل الديني أو حتى السخرية والمزاح، وقد انتشر استعمالها حتى بين المدنيين، ولا يقصد بها في الغالب المعنى الحرفي القديم الخاص برجال الدين أو رؤوساء العشائر والقبائل بل تستعمل للنداء وتقابل (يا فلان)، وتشبهها كلمة (أخ) التي يستعملها عناصر تنظيم داعش، وكذلك كلمة (هافال) التي يتداولها عناصر قسد، لكن الاختلاف يكمن في أن الكلمات في الحالتين الأخيرتين تستعملان لإظهار تباين عناصر داعش وقسد عن باقي الناس، في حين يمكن إطلاق «شيخ» على الجميع.