شرعيّو داعش ودعاتها
إعداد مستعجل وتنافس على قطع رؤوس المحكومين

عبد المحسن الخلف (مزهاف) قبل وبعد البيعة

لا تُعرف الطريقة التي يتحول بها مبايع ما لداعش من عضو عادي في التنظيم إلى شرعي (داعية ومفت صغير)، ولا تُعرف المعايير التي ينتقى على أساسها اليوم الشرعيون الجدد. لكن لا بد لكل طامح بهذه الوظيفة أن يحفظ، بشكل مختصر، الأحكام العامة وأدلتها في مسائل التوحيد ونواقض الإسلام والجهاد والعبادات.

يتولى ديوان الدعوة والمساجد إدارة الشرعيين الملتحقين به وفرزهم إلى مناطق مختلفة بعد إعداد سريع لا يستغرق أحياناً أكثر من شهر، يخضع خلاله المقبولون لدورة خاصة قبل أن يباشر المتخرج عمله في حيز مكاني محدد، بلدة أو قرية، وحده أو إلى جانب زملاء آخرين. ويبدو أن الواسطة والتملق لمسؤولي «الدعوة والمساجد» هما العاملان الأبرز في تعيين شخص ما في هذه الوظيفة المريحة وذات المزايا المتعددة مقارنة بوظائف مبايعي داعش الأخرى.

يندر أن يكون في فئة الشرعيين حاملو شهادات جامعية أو دارسون سابقون لعلوم الدين الاسلامي. والكثير منهم حائزون على الشهادة الإعدادية فقط، حسب ما يبدو من تتبع سيرهم. لا يهتم التنظيم كثيراً بهذه الجانب، إذ يحتقر كل المنابر الدينية الأخرى. كما لا يهتم بطبيعة الحال بماضي أتباعه قبل التحاقهم، إذ يعد هذا الماضي مرحلة جاهلية وردّة تجبّ البيعة ما فيها من كبائر وسلوك مشين. ولعل القصة الشهيرة لأبو زيد الجزراوي (سعودي)، وهو أحد شرعيي داعش البارزين، واحدة من القصص التي لم تقطع فيها البيعة ارتباط الشرعي بماضيه. ظهر أبو زيد مع ستة أطفال فائزين بمسابقات داعش في إصدار «إلى أبناء يهود»، المنشور في الشهر الأخير من عام 2015، وكانت جائزة الأطفال هي أن يقتل كل منهم أسيراً. وبعد أيام ألقي القبض على الشرعي الجزراوي وهو يمارس اللواط بأحد الأطفال، حسب ما أشيع، وكانت عقوبته الجلد في ساحة عامة ثم النفي لمدة عام إلى العراق، في الوقت الذي يلقي بالمتهمين بهذا الفعل في العادة «من شاهق» عقوبة لهم.

وفي ساحة الفيحا في مدينة البوكمال، أثناء اجتماع الناس لمشاهدة حفلة إعدام من حفلات داعش المتكررة، لم يقاوم قارئ بيان الحكم، وهو شرعي محلي كان مربي حمام سابق، هوايته المحرمة تلك –وفق داعش- فراح ينظر إلى السماء متتبعاً تحليق الحمام فوق الساحة، مما أضحك عارفيه من الجمهور رغم الجو الدامي. ليس تنفيذ أحكام القصاص من صلب أعمال الشرعيين عادة، لكنهم يتنافسون على هذه المهمة بإلهام من حديث نبوي يقول «لا يجتمع الكافر وقاتله في النار». شرعي البوكمال الحالي، مربي الحمام السابق، كوفئ من قبل رؤسائه مؤخراً بأن يطلق النار أو يجز رؤوس المحكومين بيده.

قبل أن يبايع التنظيم كان أحمد الفتيح، وهو شاب من قرية أبو حردوب بريف دير الزور الشرقي، عاملاً بأجر يومي في ورشة لتصليح الإطارات. وصار، بعد أن التحق بداعش وخضع لدوراتها، شرعياً مشهوراً يجوب مساجد قريته، يفتي الناس ويلقي الدروس. سأله أحد الحضور مرة: «يا شيخ، يصير لما نذبح ذبيحة نقول في سبيل الله ورسوله؟» فأجاب الفتيح «لا ما يصير»، ثم تراجع فوراً بـ«لا يصير»، ليتراجع مرة أخرى متلكئاً مع هذا السؤال الإشكالي، ويصبح مثلاً عن جهل شرعيي داعش ودعاتها حتى في البديهيات أحياناً.

شرعي آخر من مدينة حلب ينشط في بلدة أبو حمام، كان يلقي درساً عن الزكاة بلهجته العامية، فبلغ به الحماس وهو يشرح أهمية هذه الفريضة أن قال إن «النبي محمد صلى الله عليه وسلم بحروب الردة ذبح آلاف وآلاف المرتدين لأنهن ما رضيوا يدفعوا زكاة»، ناسياً أن حرب الردة وقعت بعد وفاة النبي.

ولا يتردد عبد الرحمن، وهو شرعي شاب عين منذ أشهر، في تكفير أو شتم أي شخص مع كل سورة غضب تنتابه. ولم يوفر حتى والده السبعيني حين رآه يدخن سراً، فكفره ووصفه بالخنزير الهرم، قبل أن يغادر ويرفض العودة مرة أخرى إلى «بيت ابن سلول» هذا، على حد تعبيره.

يبالغ شرعيو داعش في إعلاء شأن «دولتهم» إلى درجة تكاد تكون فيها أهم تجربة في التاريخ الإسلامي كله. كما يحلو لبعض الشرعيين أن يقارنوا خلافة عمر أو عثمان أو علي أو الأمويين وصلاح الدين، بالبغدادي و«دولته».

أبو زيد الجزراوي