داعش تعيد دير الزور إلى عصر "الدايات"

وفياتٌ وحالات شللٍ دماغيٍّ تصيب الأمهات والمواليد

سقراط علي - شيرين أحمد

بالإضافة إلى قراراتٍ أخرى أصدرها تنظيم "الدولة الاسلامية" في الحقل الطبيّ، كان لقراره الشهير بمنع أطباء النسائية من مزاولة عملهم أثرٌ بالغ السوء على الصحة الإنجابية في دير الزور.

خلال الشهرين الأخيرين، شدّد تنظيم "داعش" على تطبيق قراره هذا، الصادر في وقتٍ سابقٍ، دون مراعاةٍ للضرورات التي يلحظها الفقه الإسلاميّ في حالاتٍ كثيرةٍ تنطبق جميعها على الأوضاع الراهنة في المحافظة. ولتتوقف بذلك الخدمات الصحية، المجانيّة والمأجورة، التي كان يقدّمها أكثر من 50 طبيب نسائيةٍ مختصٍّ في المشافي والعيادات في مدن وبلدات دير الزور، بحسب تقديرات عاملين في الحقل الصحيّ. وتفيد بعض الأرقام المسرّبة من إحصائياتٍ قام بها جهاز داعش الصحيّ –قيد التأسيس- المسمّى ديوان الصحة، أن عدد طبيبات النسائية في المحافظة 34 طبيبةً، إلا أن العدد الفعّال، أي العدد النشط والحائز لثقة السكان وأقسام الإسعاف في المشافي، لا يتجاوز نصف الرقم المذكور. لتتحمّل بذلك 17 طبيبةً فقط، إضافةً إلى عشرات ممرّضات التوليد (القابلات القانونيات) مسؤولية الصحة الإنجابية في كامل المحافظة. وفضلاً عن قلة العدد، يسهم التوزّع الجغرافيّ غير المتوازن لأعداد الطبيبات، وتدهور الحالة الأمنية (أصوات الانفجارات وغارات الطائرات أحد مسبّبات الاجهاض)، وتراجع كفاية الوجبات الغذائية اليومية، وانهيار خدمات الاتصالات والنقل، في تفاقم المشكلات. إذ تتركّز معظم العيادات والمشافي في مدينة الميادين، فيما تحرم عشرات القرى والبلدات من أية طبيبة نسائيةٍ مقيمةٍ بشكلٍ دائم. ويخلو الريفان الغربيّ والشماليّ، على سبيل المثال، إلا من زياراتٍ ليومٍ واحدٍ أو ليومين في الأسبوع لطبيبة نسائيةٍ واحدة. فيما تعجز طبيبات الميادين عن تغطية العجز الكبير الناجم عن حرمان الأطباء من العمل. وقد ظهرت أولى نتائج ذلك بوفيات أمهاتٍ وأطفالٍ قضوا أثناء الولادة أو بعد وقتٍ قصيرٍ منها، وإصاباتٍ مرضيةٍ دائمةٍ لعددٍ أكبر من الأطفال والأمهات، فيما ارتفعت حالات الإجهاض وموت الجنين في بطن أمه عن المعدّلات المعتادة. تقول (م)، وهي طبيبةٌ من ريف دير الزور، إنها كانت شاهدةً على ثلاث حالاتٍ شللٍ دماغيٍّ لمواليد جدد نتيجة نقص الأكسجة. وتؤكد الطبيبة أن سبب هذه الإصابات هو نقص الرعاية الصحّية بالأمهات أثناء الحمل أو خلال الولادة.

وبعد تزايد الأخطاء الطبية التي وقعت بها القابلات القانونيات سمحت داعش لبعض أطباء النسائية في عددٍ من المشافي بالعمل كمستشارين، أي أن تقتصر وظيفة الطبيب على تقديم النصح للممرّضات النسائيات، على أن يتدخل في الحالات الحرجة التي قد تؤدّي إلى الوفاة. إلا أن هذه الاستجابة لم تجلب إلا فوائد محدودةً، وخاصّةً مع رحيل معظم أطباء النسائية بعيداً عن مناطق داعش، واعتكاف البعض الآخر في بيوتهم بعد الإساءات المتكرّرة لعناصر التنظيم بحقهم.

وحاولت داعش معالجة الوضع بافتتاح المشفى الوطنيّ في الميادين، بعد صيانته وتجهيزه، ليكون مشفىً خاصّاً بالأمراض النسائية. وعيّنت عشرات الممرّضات النسائيات، على اختلاف كفاءاتهنّ، فيه. دون أن يخلو التعيين من "الواسطة" أو التمييز تبعاً لانتماء الممرّضة، أو أحد أفراد أسرتها، إلى التنظيم أو عدم الانتماء. إذ يعدّ العمل كممرّضةٍ نسائيةٍ إحدى الوظائف المفضّلة لجزءٍ ملحوظٍ من زوجات المهاجرين، نظراً لاقتصار التعامل فيه على النساء. فيما تتعثر جهود التنظيم، حتى الآن، لإنشاء مستوصفاتٍ نسائيةٍ أو دور توليدٍ في مناطق أخرى.

وأحيت قرارات داعش الصحية مهنةً منقرضةً هي مهنة "الداية"، أي المرأة الخبيرة بالتوليد دون تعليمٍ رسميٍّ. وتلجأ معظم الحوامل، في الأرياف خاصّةً، إلى هؤلاء النسوة للتوليد أو للإشراف على الحمل وتقديم النصح والعلاج.

بحسب مسحٍ قام به المركز السوريّ للإحصاء، في عام 2009، سجّلت محافظة دير الزور المعدّل الأعلى في سوريا للخصوبة الإنجابية، وقد تجاوز (6.8) طفل لكلّ امرأة. وهو معدّلٌ مرتفعٌ جداً بالمقارنة مع نظيره في المحافظات الأخرى، وكذلك مع نظيره في البلدان ذات النموّ السكانيّ المرتفع.