جرائم الشبّيحة في ريف جبلة..
مؤيّدو النظام: «طباخ السم بيدوقو»

في الصورة (حيدرة محمد الأسد)

«طلعت من جبلة مع زبون طلب توصيلة ع القرادحة. عند كشك ع الطريق قال لي وقف، وقفت، نزل اشترى عصير وضيّفني. أبعرف شو صار بعدين، فقت لقيت حالي مرمي ع طرف الطريق».

هكذا سرقت سيارة سامر (35 عاماً) التي وضع فيها كدح سنواتٍ طويلةٍ كما يقول. لم يتوقع أن يكون ضحيةً مثل غيره من الضحايا المتكاثرين في الأوساط المؤيدة للنظام في الساحل السوريّ، لكن حظه العاثر بشراء سيارةٍ «عليها العين»، عقب تقاعده المبكر من الجيش لأسبابٍ صحية، جعل هذه السيارة هدفاً لجماعة حيدرة شاليش التي تشكل -إلى جانب مجموعاتٍ أخرى- ما يعرف بـ«شبّيحة القرداحة» ذائعي الصيت بأجيالهم المختلفة، ابتداءً بالجيل الأول نهاية الثمانينات مع محمد شيخ الجبل وفواز وهارون ومنذر وهلال من أبناء عائلة الأسد، وانتهاءً بأولاد هؤلاء أو أشقائهم الأصغر، مثل نمير وسليمان ويسار وحيدرة وكفاح ورفعت (الصغير)، إضافةً إلى آخرين من أبناء عائلات القرداحة ذات السلطة والنفوذ.

يعدّ سامر نفسه محظوظاً لأنه ظل على قيد الحياة ولأنه نجح، بعد توسط ضابطٍ كبيرٍ في الأمن العسكريّ، في أن يفدي سيارته بربع ثمنها المقدّر في السوق.

في قرية كفر دبيل، التابعة لبلدة عين شقاق شرقي جبلة، جرفت الأمطار الغزيرة التراب عن 13 جثةً دفنت على عجلٍ في مكانٍ واحدٍ تقريباً، تعود لنساءٍ مغتصباتٍ مقيدات الأيدي قضين بطلقاتٍ ناريةٍ في الرأس، وفق ما شاع على نطاقٍ ضيق. تعود بعض هذه الجثث لنازحاتٍ من محافظة الرقة إلى مدينة جبلة، اختطفن من هناك إلى كفر دبيل، وبعضها لمخطوفاتٍ من ريف المدينة. نسبت هذه الجريمة إلى عصابةٍ محليةٍ قال محافظ اللاذقية، في تصريحٍ له، إنه ألقي القبض على اثنين من أعضائها، و«إن التحقيق جارٍ لإلقاء القبض على البقية»، مطالباً بتوخي الدقة والحذر في الحديث عن هذه الجريمة، تجنباً للبلبلة وانتظاراً لنتائج التحقيقات.

لم تخفف التحقيقات التي يعد المسؤولون الرسميون بإجرائها عقب كل جريمة، ولو ليومٍ واحد، من ظاهرة الانفلات الأمنيّ المستفحلة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وخاصةً في الساحل ذي الأغلبية العلوية المؤيدة لبشار الأسد، التي تعيش ظروفاً مريرةً بين نارين؛ نار جماعات الشبّيحة التي لم تعد تقتل وتخطف وتشلّح «السنّية» فقط، ونار الجبهات البعيدة حيث يُفقد الأبناء كمجهولي مصيرٍ أو يعودون جرحى أو في توابيت. أخبار المعارك وقصص «الشهداء» وتشييعهم وخيم عزائهم، التي يتقلص عدد المعزّين فيها شهراً وراء شهر، صارت شأناً ثانوياً مقابل الحوادث الأقرب من قتلٍ و«تشليحٍ» وخطفٍ طلباً للفدية، على الطرقات أو وسط الضيع والبلدات أو في البيوت، في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع أجهزة النظام الجنائية ومخابراته.

يبرّر بعض موالي النظام حالة الانفلات هذه بعدّها ظاهرةً ثانويةً من ظواهر الحرب ستزول بمجرّد توقفها، إذ ستستطيع الأجهزة الأمنية حينذاك ملاحقة «النفسيات التعبانة اللي مَتستغل الظروف». ويعدّ آخرون هذا الانفلات نتيجةً طبيعيةً للفساد وللتساهل الذي أبدته «الدولة» إزاء المجرمين العاديين أول الثورة مقابل مشاركتهم في قمع المظاهرات في اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس، ثم في إطلاق أيديهم بُعيد حملات القمع في تلك المدن حتى رضوخها. تجمّع هؤلاء المجرمون في كتائب انتسبت للدفاع الوطني وصارت تشارك في الاقتحامات في محافظات إدلب وحمص وحماة. وقد غذّت «الغنائم» المسلوبة من ممتلكات «المسلحين والعراعير» -وفق نظرة الشبّيحة إلى أهالي هذه المحافظات- «أسواق السنّة» الناشئة آنذاك، وكانت كافيةً إلى حدٍّ كبيرٍ لإشباع رغبات الشبّيحة وصرف انتباههم عن أبناء طائفتهم. لكن مع تنامي العمل المسلح على الطرف الآخر، وخروج كثيرٍ من المناطق نهائياً عن سيطرة النظام، وتحول الاقتحامات السهلة إلى معارك واشتباكاتٍ عنيفة، انصرف كثيرٌ من الشبّيحة ممن لم ينجحوا في بناء علاقاتٍ خاصةٍ مع «النمر» ومخابراته الجوية، أو الإيرانيين أو الروس، إلى ضيعهم وبلداتهم.

يقول أبو علي، وهو فلاحٌ ستينيٌّ من ريف جبلة: «لما بدن متخلف عن العسكرية بيبعتو جيش ليجيبوه، وأفيهن عا زعران! ولادنا مَيموتو ع الجبهات منشان شو؟ إذا نحنا هون ما فيه الواحد ينام من الخوف ع بناتو أو ع رزقو!». ويضيف العجوز الذي سرقت بقرته منذ وقتٍ قريب: «طباخ السم بيدوقو».

وسيم بديع الأسد