بيلاروسيا حليفة الأسد الصامتة

 كانت سورية من بين أوائل الدول التي أقامت علاقات سياسية واقتصادية مع بيلاروسيا (روسيا البيضاء) حين استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أول تسعينات القرن الماضي. 

زار الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو سورية مرتين. الأولى في العام 1998، والتقى خلالها بحافظ الأسد، والثانية بعد خمس سنوات لوريثه بشار. وخلال زيارة بشار إلى العاصمة البيلاروسية مينسك صيف عام 2010 تحدث الإعلان المشترك، وقت الزيارة، عن تعاون ثنائي طويل الأمد، ونقل العلاقة بين البلدين إلى شراكة إستراتيجية.

فى مقابلة له عام 2013 قال لوكاشينكو «التقيت مع الأسد مرات عديدة، ولدينا علاقات ممتازة، وهو شخص متحضر أوربي تماماً». كذلك اعتبر محاولة الإطاحة به مجرد (جريمة)، معطياً تقييماً قاتماً لأحداث الربيع العربي. وفي عام 2014، أثناء اعتماد أوراق سفير الأسد في مينسك، أشار لوكاشينكو إلى أمله «بالتغلب سريعاً على الأزمة في البلاد، واستعادة العلاقات الودية التقليدية، وزيادة التعاون بين البلدين».

منذ اندلاع الثورة وقفت بيلاروسيا مع النظام، وصوتت ضد القرارات التي تدينه في المحافل الدولية، وقال الأسد في مقابلة أجرتها معه قناة ONT البيلاروسية في شهر أيار الماضي «تعد روسيا البيضاء مع روسيا لاعبين رئيسيين على الساحة الدولية فيما يتعلق بالحرب التي تُشن ضد سورية». عوامل كثيرة تفسر متانة العلاقات بين النظامين، منها الطبيعة الديكتاتورية المتشابهة، والقرب من روسيا، إضافة إلى المصالح والمنافع المتبادلة.

وفقاً لمعهد أستوكهولم لبحوث السلام SIPRI، عدت بيلاروسيا المورد الرئيسي للأسلحة إلى نظام الأسد خلال الفترة بين 2006 ـ 2010، وقد لاحظ الخبراء العسكريون الطابع المتغير لتجارة الأسلحة معها، فحتى عام 2000 كانت تجارة الأسلحة تقتصر على بقايا الأسلحة السوفييتية، بعد ذلك تحولت إلى بيع المنتجات العسكرية من تصميمها الخاص: الأنظمة الإلكترونية، والبصريات العسكرية، وتكنولوجيا الليزر، والأجهزة المسيرة بدون طيار، شاحنات «الماز» وغيرها. ومما لا شك فيه أنها ستستمر في بيع الأسلحة إلى مختلف البلدان، بما في ذلك إلى نظام الأسد. حتى بداية النزاع العسكري في سورية، زودت بيلاروسيا نظام الأسد بمقاتلات من طراز ميغ 23، وبمعدات الطيران؛ لكن تم تعليق هذا الأمر مع اندلاع الأعمال القتالية، حسبما ذكرت بعض وسائل الإعلام البيلاروسية الرسمية، لتخطف شركة «روسوبورونيكسورت» الروسية العقود. وهذا منطقي لأن موسكو اليوم ليست مهتمة بالتخلي عن سوق السلاح لأية جهة.

في تشرين الأول 2015 نفى سيرجي غوروليف، رئيس اللجنة العسكرية الصناعية البيلاروسية، التقارير الواردة حول إمداد نظام الأسد بالأسلحة، وصيانة طائراته الحربية من قبل الخبراء البيلاروسيين. وعلى الرغم من التصريحات الرسمية، حول ما ذكره السجل الرسمي للأمم المتحدة للأسلحة التقليدية للسنوات 1999-2013،عن عقد صفقة واحدة فقط مع الجانب البيلاروسي لتوريد 33 طائرة مقاتلة إلى سورية؛ إلا أن هناك تعاون عسكري كبير بين الطرفين. فقد أرسلت بيلاروسيا شحنات من الأسلحة والمعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى قوات الأسد، وقدمت التكنولوجيا لتحسين دقة صواريخ «أرض-أرض».  يعتقد المحلل الاستخباراتي الإسرائيلي رونين سولومن أن بيلاروسيا تعمل على رفع مستوى دقة الصواريخ السورية متوسطة المدى، وتحسين مداها في مركز الدراسات والبحوث العلمية العسكرية، قرب مدينة مصياف، الذي تعرض لغارة جوية إسرائيلية فجر 7 أيلول 2017. لكن مع ذلك لم تصدر أية تعليقات رسمية من مينسك أو دمشق تؤكد أو تنفي الأمر!

لم تتخلَ مينسك أبداً عن خطط التعاون الصناعي مع دمشق، كما تدلّ على ذلك الزيارة الأخيرة لوزير الصناعة البيلاروسي إلى العاصمة السورية في نيسان 2017، حيث تم التوقيع على عقد لتوريد 157 شاحنة «ماز» لتلبية احتياجات وزارة الأشغال العامة والإسكان؛ وبالتالي يُعتقد أنه في حال بقاء الأسد ستكون بيلاروسيا شريكاً موثوقاً به في إعادة بناء ما دمرته حربه المجرمة من البنية التحتية للبلد.

من الصعب على لوكاشينكو معارضة بوتين في التبعيات المالية وغيرها من الحيثيات من جهة، ولا يمكنه أن يخيب آمال الأسد، الذي وصف روسيا البيضاء بـ «المسؤولة»، من جهة أخرى؛ لذلك يبدو أن لوكاشينكو أكثر ميلاً للتورط في دعم سفاح سورية، لكنه لن يفعل هذا دون مقابل، إلا تحت الإصرار الروسي. وهكذا، وعلى الرغم من أن الجيش البيلاروسي لا يقاتل في سورية، فإن الدعم السياسي والعسكري بالذخيرة والسلاح «يساوي الكثير» كما قال الأسد في المقابلة التي أجرتها معه القناة التلفزيونية البيلاروسية.