بوتين سيد الخواتم المسروقة

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال روسيا أخذت المافيات تظهر فيها كالفطر، وانحدر أغلب مؤسسيها من ضباط المخابرات والرياضيين السابقين. وفلاديمير بوتين، الرئيس الحالي، الذي يعد اليوم أكبر رجالات المافيا ليس في روسيا فحسب بل في العالم، جمع المجد من طرفيه: ضابط مخابرات ورياضي في آن معاً!

لاحق بوتين معارضيه السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين، منذ توليه السلطة عبر صفقة تنازل فيها بوريس يلتسن عن كرسي الرئاسة مقابل الحفاظ على حياته ومنع السلطات القضائية من ملاحقته بتهم الفساد، وعدم الاقتراب من (بزنس العائلة) الذي كانت تديره ابنته تاتيانا وزوجها. وتدور حول بوتين الشبهات في تصفية عدد منهم، مثل معلمه وعرابه السياسي محافظ سانت بطرسبورغ أناتولي سوبتشاك، وضابط المخابرات السابق ألكسندر ليتفيننكو، ورئيس حزب «يابلكه» (التفاحة) بوريس نيمتسوف الذي عارض بشدة انضمام القرم إلى روسيا. كذلك الصحفية والكاتبة والناشطة في مجال حقوق الإنسان آنا بوليتكوفسكايا، التيي عُرفت بانتقادها الشديد للرئيس الروسي، إذ نشرت كتاباً عن فساده عام 20044 بعنوان «روسيا بوتين».

إضافة إلى أعماله الإجرامية هذه جمع بوتين ثروة هائلة خلال وجوده في السلطة، تصل إلى أكثر من 250 مليار دولار أميركي حسب بعض التقديرات؛ رغم ذكره في كشف بيانات الدخل عام 2014 أنه كسب ما يعادل 119 ألف دولار فقط، إضافة إلى امتلاكه قطعة أرض وشقة ومرآباً و3 سيارات ومقطورة، لكن هذا الكلام لا يقنع حتى الساذجين.

ثروة بوتين موضوع دائم الحضور منذ صدور كتاب «بزنس بوتين» للمؤلفين ستانيسلاف بيلكوفسكي وفلاديمير غوليشيف عام 2006، والذي يمكن اعتماده أساساً في تقييم تلك الثروة التي كانت تقدر حينها بحوالي 55 مليار دولار!

ومع ذلك فإن الدخل الفعلي للرئيس الروسي معروف جيداً للأميركيين فقط -حسبما أكد المحلل السياسي والباحث البارز في معهد نظام التحليل بأكاديمية العلوم الروسية أندريه بيونتكوفسكي- فقد أدلى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات المالية الأمريكية ديفيد كوهين بتصريحات مباشرة مؤكداً أنه يعرف أملاك وأصول بوتين المالية في الغرب. نفس المعلومات تمتلكها أيضاً القيادة البريطانية.

كتبت صحيفة «سفنسكا داغبلاديت» السويدية واسعة الانتشار أن بوتين وعصابته تمكنوا من القيام بأكبر عملية احتيال وسرقة في تاريخ العالم؛ عندما استولوا على مؤسسات وشركات تصل قيمتها الإجمالية إلى أكثر من مائة مليار دولار: يوكوس، سورجوت، شركة تيمتشينكو، وشركات أبراموفيتش. كذلك كتب الصحفي جان بلومغرين مقالاً آخر شغل أربع صفحات من تلك الصحيفة، كشف فيه باستفاضة عن أفعال بوتين منذ دخوله السلطة عام 2000، محاولاً نبش كل شيء عن أنشطته غير الشرعية، لاسيما في مجال تجارة الكحول التي جلبت دخلاً لم يسبق له مثيل، ليقرر على الفور السيطرة على هذا القطاع المهم في الاقتصاد الروسي.

حقيقة بوتين الجشع البخيل اللص المحتال، والمحب للسلطة وابتزاز الآخرين، يمكن تلمسها بوضوح من خلال قصة الخاتم الماسي الذي سلبه من رجل أعمال أميركي وبندقية الكلاشينكوف التي أخذها من متحف غوغنهايم بنيويورك.

تقول الصحفية والكاتبة ماشا جيسين في كتابها «رجل بلا وجه»: في رحلة رجال الأعمال الأميركيين إلى سان بطرسبرج عام 2005، لحضور حفل تنصيب بوتين رئيساً للبلاد، كان معهم الملياردير الأمريكي روبرت كرافت، مالك نادي «نيو انغلاند» لكرة القدم الفائز بكأس السوبر، وكان يلبس خاتماً يحتوي على 124 قطعة ألماس تبلغ قيمته 25 ألف دولار، ما جعل لعاب بوتين يسيل لرؤيته وهو يتجاذب أطراف الحديث مع صاحبه، فتناوله في الحال وقاسه على إصبعه، ثم وضعه في جيبه واستمر في حديثه. وعندما وصل الخبر إلى الصحافة الأميركية زعم كرافت أن «الخاتم كان هدية للرئيس الروسي»، متستراً على الفضيحة. وتتحدث جيسين أيضاً عن زيارة بوتين إلى متحف غوغنهايم، عندما توقف أمام صندوق زجاجي فيه قطعة تذكارية لبندقية كلاشينكوف الروسية الشهيرة، ما لبث أن طالب بإخراجها لمشاهدتها وأمسكها في يده ثم سلمها إلى أحد حراسه الشخصيين ومضى، مما أثار استياء واستغراب إدارة المتحف.

قصص أخذ بوتين الخاتم والبندقية ليست الأدلة الوحيدة حول شهيته الزائدة للأشياء الثمينة، بل هناك مؤشرات أخرى كثيرة مشابهة. فكتاب «النفط وبوتين»، مثلاً، يوثق بشكل واضح كيفية استيلاء قيصر الكرملين على احتياطيات النفط في البلاد، مستخدماً كل أنواع التلاعب والاحتيال. وكذلك يذكر تقرير «كم سرقوا في دورة الالعاب الأولمبية بسوتشي؟»، الذي أعده بوريس نيمتسوف وليونيد مارتينيوك على أساس بيانات من مصادر مختلفة، أن بوتين ورفاقه سرقوا، أثناء التحضير لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، التي جرت في مدينة سوتشي عام 2014، حوالي 25 مليار دولار.