إحدى مصافي النفط في العراق

عندما وقع العراق تحت الحصار في تسعينيات القرن الماضي انتعشت تجارة المحروقات عبر الحدود إلى سوريا، فعمد الكثير من أصحاب الأموال إلى شراء صهاريج كبيرة لنقل المازوت العراقي إلى محافظة الحسكة، أمّا حالياً فصهاريج النفط الخام تخرج من حقول رميلان لتعبر الحدود باتجاه نينوى العراقية.

يقضي كنعان حمي (50 عاماً) يوماً أو يومين في الانتظار ليأتي دوره، عند ذلك سينقل النفط الخام من مجمع تل عدس النفطي بمنطقة رميلان شرق الحسكة إلى قرية المحمودية داخل الأراضي العراقية. ويقول حمي، المنحدر من قرية قريبة من مدينة "ديريك"، أنه عمل سابقاً بنقل النفط الخام إلى مصفاة حمص مقابل مبلغ 300 ألف ليرة سورية، كأجر لصهريجه الذي يقطع به مناطق سيطرة تنظيم "داعش" في الرقة آنذاك، حيث كان يدفع مبلغ 30 ألف ليرة كإتاوة أو ضريبة عبور على "الحواجز الاقتصادية" مع مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية (قسد)" ومع مناطق سيطرة النظام.

قبل تقدم قوات البيشمركة الكردية داخل الأراضي العراقية قرب معبر اليعربية الحدودي في تشرين أول عام 2014، كان كنعان وزملاؤه من أصحاب الصهاريج يتقاضون 1500 ليرة لنقل الطن الواحد من النفط الخام من محطة تل عدس إلى منطقة عين ديوار، حيث أنشأ حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي مصباً للنفط يفرغ فيه حمولة الصهاريج ثم يتم دفعها بأنابيب خاصة نحو شمال العراق.

 لكن الحال تغير بعد سيطرة قوات البيشمركة على القرى العربية المجاورة لمنطقة ربيعة وفرار سكانها، فسمحت لاحقاً بعودتهم باستثناء سكان قرى المحمودية والمسعودية والقاهرة شمال معبر ربيعة- اليعربية الحدودي، وذلك لأنها أسست مصباً نفطياً للصهاريج القادمة من سوريا لتفريغ حمولتها، وهذا ما يفسر تصديها لميليشيات الحشد الشعبي والجيش العراقي حين حاولا العام الماضي التقدم إلى المحمودية بعد استعادة ناحية ربيعة في المقابل، تكفل حزب "الاتحاد الديمقراطي" بشق طريق معبد بالأسفلت من قرية الخدعان السورية لتسهيل عمليات نقل النفط ومرور الصهاريج باتجاه العراق.

أمّا بخصوص اقتسام إنتاج حقول الحسكة النفطية مع النظام، فينظمها متعهد يعرف باسم "أبو دلو"، وهو مندوب من قبل سلطات "الإدارة الذاتية" الكردية لترتيب عملية نقل النفط إلى مصفاة حمص بالتعاون مع رجل الأعمال حسام قاطرجي صاحب "مجموعة القاطرجي"، والذي برز خلال الحرب كمتعهد "اقتصادي" للحواجز والمعابر مع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفق ما ذكر أحد مهندسي النفط في المنطقة.

يؤكد المهندس أن مليارات الليرات يجنيها "أبو دلو" ومسؤولو الإدارة الكردية من هذه التجارة، سواء بالتنسيق مع مسؤولين في النظام أو في حكومة إقليم كردستان العراق، الذين يساهمون بنقل ٧٠ ألف برميل يومياً من النفط السوري لبيعه بسعر أقل من السعر العالمي.

وأشار المهندس إلى هدر كميات كبيرة من النفط خلال عملية التعبئة والتفريغ التي تتم بمعدات قديمة وأشخاص لا يمتلكون الخبرة الكافية في هذا المجال، إضافة الى غياب روح المسؤولية لدى جميع الأطراف المستفيدة من هذا الهدر، وأكد أن موظفي النظام من الفنيين والمهندسين يعملون في إصلاح وترميم ما تم تخريبه من معدات وأجهزة في رميلان، ويمارس أكثر 70٪؜ من عمال حقل رميلان أعمالهم بشكل طبيعي وشبه يومي تحت إدارة وتوجيه المدير التابع للإدارة الكردية.

وكانت "وحدات حماية الشعب" الذراع العسكري لحزب "الاتحاد الديمقراطي" انقلبت على اتفاق يعود إلى عام 2012 لحماية حقول رميلان مقابل 120 مليون ليرة، وذلك عقب تعهد الولايات المتحدة بدعمها عسكرياً وتأسيس نقاط وقواعد عسكرية، فطالبت النظام بتعديل الاتفاق ليستقر على منح الوحدات الكردية ٥٠٪؜ من نفط الحسكة ودير الزور مقابل 40٪؜ للنظام السوري و 10٪؜ لقوات الصناديد التابعة للشيخ حميدي دهام الهادي المتحالفة معها ضمن "قسد"، وعلى هذا الأساس يحصل النظام على حصته عبر صهاريج تصل إلى حمص بينما، تبيع الأطراف الأخرى "نفطها" إلى شمال العراق وإلى السوق المحلية.

وبلغ إنتاج حقول الرميلان 90 ألف برميل نفط يومياً عام 2010 حسب الأرقام الرسمية مع تخطيط لرفع الانتاج إلى 160 ألف برميل يومياً، لكن اندلاع الثورة السورية عام 2011 وخروج الحقول عن سيطرة حكومة النظام أدى إلى انخفاض الإنتاج إلى 20 ألف برميل تقريباً، فيما ينتج معمل الغاز أكثر من 13 جرة غاز يومياً بالكاد تكفي الاستهلاك المحلي مع توسع رقعة مساحة الإدارة الكردية.

وتضم منطقة رميلان مجموعة من الحقول الرئيسية هي السويدية وقره تشوك و رميلان وعودة وسعيده- زاربة بباسي وبدران والباردة وباب الحديد ومثلوثة وناعور وتل عزاب ومعشوق ومملحة الكوم وشامو ودبيسان والغدير وحقل الخراطة، فيها 1300 بئر نفطي على الأقل بينها 26 بئراً غازياً، مع استمرار عمليات حفر آبار جديدة.