- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
المهاجرون الكازاخ وقود داعش الرخيص
استطاعت داعش استقطاب أعدادٍ هائلة من المتطوعين العرب والأجانب خلال مدة قصيرة من وجودها على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. وبين هؤلاء مهاجرون من جمهورية كازاخستان البعيدة، التي يعتنق معظم سكانها المذهب الحنفي، وتعد من أهم دول آسيا المنتجة للغاز.
أول ظهور إعلامي للكازاخ في مناطق داعش كان في منتصف تشرين الأول 2013، عندما صوّر إصدار يحمل عنوان «رسائل من أرض الملاحم (10) في ضيافة عائلة مهاجرة» عائلة كازاخية ممتدة، كانت قد قطعت آلاف الأميال، وبذلت أموالاً طائلة من أجل الوصول إلى سوريا. في أغلب مقاطع هذا الفيديو، الذي ترافق أغنية «لنا مجد في الفلبين وفي بغداد الحزينة والصومال لنا تنادي مرحبا»، يحاول الشاب عبد الرحمن التحدث بلغته الأصلية عن حياتهم الجديدة وعن سبب قدومهم، قائلاً: «هاجرنا من كازاخستان إلى أرض الشام بهدف الجهاد في سبيل الله والإسراع بدخول الجنة».
بعد عام تقريباً نشرت مؤسسة «الحياة» الإعلامية التابعة لداعش إصداراً آخر بعنوان «فاستبقوا الخيرات»، يظهر فيه مهاجرون كازاخ مع أطفالهم الذين يرتدون زياً عسكرياً ويتدربون على اللياقة البدنية وحمل السلاح والرمي. وفيه ذكر عبد الله، وهو في العاشرة تقريباً، أنه جاء من كازاخستان إلى أرض الخلافة ليصبح مجاهداً ويقطع رؤوس الكفار، مستخدماً كلمة bauyzdaymyz، التي تعني في الكازاخية ذبح الحيوانات. لتظهر صور هؤلاء الأطفال في العدد الخامس من مجلة دابق Dabik، وتنتشر بعدها في أغلب وسائل الإعلام العالمية.
في هذا الصدد ذكرت مؤسسة جيمس تاون الأميركية غير الحكومية أن هذا الإصدار عرض عدداً قليلاً من الكازاخ، ما قد يشير إلى موت الرجال الذين ظهروا في الإصدار الأول ليبقى الأطفال اليتامى. في حين قال المحلل السياسي الكازاخستاني يرلان كارين إنه تم التلاعب بالشريط وبث لقطات قديمة لخلق الشعور بأن متطوعين كازاخ جدد قد وصلوا إلى أرض الخلافة.
بعد شهرين من عرض هذا الفيديو ظهر الفتى الكازاخي عبد الله، الملقب بـ«شبل الخلافة»، مجدداً في إصدار آخر، وهو يطلق النار من مسدس على رجلين أحدهما كازاخي يدعى جنبلاط مامايف، والثاني روسي يدعى سيرغي أشيموف، متهمين بالتجسس لصالح الاستخبارات الروسية. وقد ذيل الفيديو بنص صغير باللغتين العربية والإنكليزية يمجد فتيان داعش: «العزة شامخة في أرض الخلافة واقفة على جثث الكفار الموضوعة تحت أقدام هؤلاء الفتية المجاهدين».
وفي آذار 2016 نشر مركز «الفرات» الإعلامي التابع لداعش إصداراً جديداً يظهر معلم اللغة الروسية القادم من جنوب كازاخستان إلى مناطق داعش مع زوجته وأولاده. يصف هذا الأستاذ الرئيس الكازاخي نور سلطان نزارباييف بالكافر، وكازاخستان بـ«كافرستان». ترى دراسة لمعهد بروكينغز أن هذا الفيديو مختلف عما سبقه من إصدارات، لأنه يأخذ في الاعتبار السياق المحلي لمؤسسة الأسرة وقيمتها العالية في المجتمع التقليدي لآسيا الوسطى.
صرحت السلطات الكازاخستانية، على لسان رئيس لجنة الأمن القومي نورتاي أبيكاييف، في تشرين الثاني 2014، أن أكثر من 300 كازاخستاني، بينهم 150 امرأة، هاجروا إلى مناطق داعش وأنشأوا وحدة قتالية. أما كارين فقدّر عدد الدواعش الكازاخيين، في أيلول 2014، بحوالي 250 شخصاً. في حين ذكرت مصادر أخرى أن عددهم وصل إلى 400.
تميز المهاجرون الكازاخ بأنهم متدينون صادقون مخلصون عفيفون مطيعون، ويحوزون تعليماً علمياً عالياً، ولذلك لقوا معاملة خاصة من قادات داعش المحليين. لكن بعد انكشاف أمر قائد كتيبة «أبو أنس الشامي»، المدعو أبدو يارتب يرزان والملقب بـ«أبو فائزة الكازخي»، الذي سرق أموالاً تقدر بمليون دولار أمريكي إبان وجوده في «ولاية البركة» (محافظة الحسكة)، ووزع جزءاً منها على المقاتلين الكازاخ، في تشرين الثاني 2016، تغير الأمر تماماً وأصبحوا موضع شك وارتياب. ومع ذلك فقد شب الجيل الثاني من أولاد هؤلاء المهاجرين، وراحوا يحاربون ضمن «كتيبة الكازاخ» التي خاضت مؤخراً معارك شرسة، وشاركت في فتح الطريق بين محافظتي ديرالزور والرقة، بعدما سيطرت قوات «قسد» عليه في شباط 2017، والذي يعد شريان الإمداد الرئيس لداعش.
من المؤكد أن غالبية الكازاخ الذين وصلوا إلى «الدولة الإسلامية»، خلافاً لأمثالهم من الشيشان أو الداغستان الذين شاركوا في حروب عديدة، هم أناس عاديون ليست لديهم خبرة عسكرية كافية، ويستخدمون وقوداً رخيصاً لحرب داعش ضد الجميع. لقد اندفعوا للمشاركة في الجهاد بعد اطلاعهم على ما تنشره المواقع الإسلامية الدعائية، أو عبر التواصل مع أئمة مساجد غير مصرح بها في كازاخستان، أو بعد التدريب في المدارس السلفية في الخارج، أو قد يكونون متأثرين بدعاية تنظيم «جند الخلافة» الكازاخستاني الذي تأسس عام 2011، وهدفه الجهاد العالمي.