المطبخ السوري في ظلّ الأزمة... يختصر تاريخ الطهي عبر العصور

حين تفتح أيّ كتابٍ يعنى بتاريخ الطبخ عبر العصور وبالمراحل التي مرّ بها، تستوقفك المعاناة التي عاشها الإنسان عموماً في سبيل إنضاج ما يمكن أن يتحول إلى غذاءٍ يبعد عنه شبح الجوع. المرأة السورية تختصر اليوم في مطبخها كل مراحل تطور الطبخ عبر العصور.

"عين المدينة" حاولت متابعة هذه الظاهرة، ابتداءً من الطهي على الحطب، التنور، بابور الكاز، الطبّاخ الإلكتروني، فالتقت بعددٍ من السيدات اللواتي يعشن معاناةً يوميةً مرتبطةً بالطهي وتغير شروطه من يومٍ إلى يوم. تحدثت السيدة "أسماء العارف" في البداية عن الأيام الأولى لفقدان أسطوانة الغاز بالقول: منذ أكثر من عامٍ بدأت معاناة الأسرة بشكلٍ عام، والنساء بصورةٍ خاصة، فيما يتعلق بالطهي. فمع فقدان أسطوانة الغاز وارتفاع سعرها ـ إن وجدت ـ بشكلِ لا يتناسب مع دخل العائلة السورية، انتشر في الأسواق اختراعٌ ثوريٌّ ـ إن جاز التعبير ـ شكّل حالة إنقاذٍ للمرأة، وهو الطباخ الإلكتروني. وكانت له مزايا عديدةٌ منها أنه يعتمد على مصدر طاقةٍ نظيفٍ ومتوافرٍ بكثرةٍ آنذاك وهو الكهرباء، بالإضافة إلى سرعته في الطهي مقارنةً بالسخانة الكهربائية القديمة ذات الوشائع، والتي تتصف بأنها بطيئة جداً. فامتلأت الأسواق بأنواعٍ عديدةٍ منه تتناسب مع حاجة ورغبة ربّة المنزل، منها ما يقبل أي نوعٍ من الأواني المعدنية يوضع عليه، ومنها ما يُستعمل مع الستانلس فقط، وفي الحالتين كان استخدامه مريحاً واعتدنا عليه. ولكن الكارثة أتت مع ضعف الكهرباء وتوالي انقطاعاتها، بالتزامن مع عدم توافر أسطوانات الغاز، وهنا كان لا بدّ من البحث عن مصدرٍ آخر يمكن استخدامه في الطهي. وعادت المرأة إلى الوراء قليلاً فاستخدمت بابور الكاز، وكثيراً إلى الوراء مستخدمةً الحطب في إشعال النار بقصد الطهي. بالنسبة إلى بابور الكاز كان الأقرب إلى أذهان النساء ومخيلاتهن، فما زالت بعضهنّ يذكرن أمهاتهن وهنّ يستخدمنه، فعمدت كل امرأةٍ إلى البحث على السقيفة أو في القبو عن البابور. وشيئاً فشيئاً امتلأت الأسواق بأنواعه وأشكاله المختلفة، وبعضها عمره عدة عقودٍ وقد اعتبر تحفةً أثريةً في السابق، لكنه الآن مليءٌ بالكاز وعاد إلى الحياة بكلّ زهو. وقد جرت محاولاتٌ عدةٌ لتطويره في السوق المحلية، مثل تجربة جعله يعمل على مادة المازوت بدلاً من الكاز، إلا أنها كانت محاولاتٍ فاشلة، أدّت إلى مشاكل كبيرةٍ وحرائق في بعض الأحيان. وعموماً يعتبر بابور الكاز الأكثر استعمالاً اليوم، ليسر استخدامه وانخفاض سعر الكاز بالمقارنة مع غيره من المحروقات، فسعر الليتر الواحد بين 80-100 ليرة سورية، إلا أن له مساوئ أبرزها الرائحة الكريهة التي تنبعث منه، والتي قد تؤذي من يعانون من مشاكل تنفسية.

 

الشكل الأكثر بدائيةً في الطهي يعود إلى الحياة

إلا أن الشكل الأقدم في الطهي على الإطلاق حدثتنا عنه السيدة "نورهان كسار": بعد فقــــدان أســـــطوانة الغاز وانقطاع الكهرباء والأعطال الكثيرة لبابور الكاز وعدم توافر الوقود أحياناً؛ كل ذلك أجبر العديد من السيدات على استخدام الحطب في الطهي، خاصةً حين يكون متوافراً بكثرةٍ في بعض المنازل. وتتميز هذه الطريقة بأنها توفر شكلاً من أشكال التدفئة التي تغني الأسرة عن استخدام المازوت، كما أن البعض يستخدم مدفأة الحطب نفسها في عملية الطهي، إلا أن هذه الطريقة تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ جداً قد يستلزم إنجاز الطعام فيها يوماً كاملاً. وهناك طريقةٌ أخرى للطهي لم تكن مستخدمةً سابقاً وتتمثل في التنور، إذ تلجأ العديد من النساء اليوم، وخاصة في الريف، إلى استغلال حرارة التنور بعد اعداد الخبز لسلق بعض الخضر مثلاً، كما عادت النساء إلى استخدام التنور في إعداد المعجنات مثل المحمّرة والمشحّمية.