الكـــاميــرا

عدسة نوار - خاص عين المدينة

كانت الصورة هي السلاح الأمضى في مواجهة البطش الذي مارسته السلطة الأسدية لسحق الثورة في مرحلتها السلمية. وكان مقطع فيديو واحد لبضع مئات من المتظاهرين كافياً لإثبات حركة الاحتجاج في إحدى المدن. وكان رد إعلام النظام يأتي عبر صور أخرى تبرز مسيرات التأييد التي تنظمها المخابرات السورية. ومن أيام الاحتجاج السلمي تلك برز أبطال إعلاميون، تميزوا بالجسارة والتحدي بالتقاطهم لصور ومقاطع فيديو للمظاهرات وما رافقها من قمع وحشي. ولاقى هؤلاء الإعلاميون النصيب الأكبر من العقاب في قانون عقوبات الأمن السوري المرتجل في وجه الثوار السلميين.
وبتطور الأحداث وانتقال الثورة إلى طورها المسلح، أضيفت مهام أخرى أكثر خطورة للكاميرا، فتنوعت قائمة أعمالها من رصد القصف إلى ملاحقة الغارات الجوية والبراميل الطائرة، إلى مرافقة مقاتلي الجيش الحر أثناء المعارك. وكذلك كانت الصورة هي الدليل الأكبر على النصر وإحراز التقدم والسيطرة على المدن والمواقع العسكرية، وغير ذلك من معطيات القتال والثورة الأخرى. مما أدى إلى سقوط عدد من الإعلاميين شهداء. ولكن، وفي سياق آخر، صارت الكاميرا موضع اتهام بأنها تستجلب القصف والقذائف والغارات برصدها لمظاهر الحرية والنصر والاستقلال. وهي بذلك ـ بحسب حجة المتهمين لها ـ تستفز الغرائز الوحشية لقوات الأسد من خلال تحديها لها ولفت انتباهها (بغير قصد) إلى مناطق وأحياء محررة تمكنت من الحياة من دون الأسد. يقول مرهف، وهو ناشط إعلامي في أحياء دير الزور المحررة: كنت أقوم بتصوير المظاهرات السملية منذ بداية الثورة، وتابعت العمل في هذا المجال منذ بداية العمل المسلح...في البداية لم نكن نواجه أي إشـــكال عندما نقوم بالتصوير، بل على العكس تماماً كان الجميع ـ مدنيين وجيش حر ـ هم من يطلبون منا ذلك. ولكن منذ فترة شاعت بين صفوف الجيش الحر عبارة "لا تصور تا ما ينقصف المكان!" وأصبح المدنيون يرددونها أيضاً.
وفعلاً، وبحسب روايات الشهود، أغارت طائرات الميغ على أحد الأحياء، وبشكل متكرر، بعد تداول مقطع فيديو يظهر تمركز مقاتلين من الثوار مع رشاش مضاد للطائرات في إحدى النقاط في ذلك الحي. ويبدو الحذر في التعاطي مع الإعلاميين جدياً إلى حد كبير، ويصل في مرات كثيرة إلى حد الشجار أو الضرب، كما حدث مع أحد النشطاء الذي كان يصور قرب مقر إحدى الكتائب في أحد أحياء دير الزور المحررة. يقول أبو أغيد، وهو قائد ميداني لإحدى تشكيلات الثوار المقاتلة: أنا لا أشكك في أهمية الإعلام ودوره الكبير في هذه الثورة، ولكن هناك بعض الإعلاميين يمارسون المهنة بطريقة خاطئة، فهم يقدمون ـ بدون قصد ـ معلومـــــات استـــــــخباراتية للنظـــــــــام على طبق من ذهب... بالإضافة إلى أننا في الفترة الأخيرة نخوض معارك طاحنة في ظروف أقل ما يقال عنها إنها قاسية، والنظام يحاول جاهداً معرفة عددنا وأماكن وجودنا وآليات تمركزنا، وهذا ما دفعنا إلى منع بعض الإعلاميين من التصوير في القطاعات التي نرابط فيها. ونحن سمحنا لبعض الإعلاميين، الذين نثق بمراعاتهم لهذه الأمور، بالتصوير في الأماكن التي نتواجد فيها، وتم ذلك بإشرافنا...
الإعلام والتصوير موضوع سجالي في الجزء المحرر من مدينة دير الزور، بين صفوف المدنيين والمقاتلين أيضاً. يرى محمد، وهو شاب جامعي، أن هناك تناقضاً في موقف الحذرين من التصوير، فهم أنفسهم ـ كما يقول ـ أول المحتجين على إهمال دير الزور في وسائل الإعلام. أما أبو عمر، وهو رجل أربعيني من سكان حي الحميدية، فيؤيد الرأي السائد بضرورة الحذر الشديد تجاه الصور والكاميرات. فهو يؤكد أن التصوير سبّب هجمات جوية وقصفاً بالمدافع، مما أدى إلى سقوط شهداء أحياناً. ولذلك يجب تغليب مصلحة الحفاظ على الأرواح على منافع الكاميرا والإعلام.