- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
الكتاب في مدينة دير الزور.. يخيف الطلاب ويجذب المسؤولين للاستثمار فيه
لا وجود للمكتبات اليوم في مدينة دير الزور، باستثناء مكتبة وحيدة في حي القصور بالقرب من "بحرة عفرة" يتردد عليها بعض القراء من طلاب الجامعة في المدينة والطلاب القادمين من الريف. كما تخلو أرصفتها من بسطات الكتب، ما عدا بسطة تفترش الأرض في "سوق الجمعة" بالقرب من كراجات البولمان، وتعرض إلى جانب الخردة وأدوات المطبخ البسيطة والألبسة الجديدة والمستعملة- عدداً متواضعاً من الكتب بعناوين من نوع رياض الصالحين ومختصر صحيح مسلم، وبعض كتب فن الطبخ ومجلّات قديمة متنوعة.
على أن الوضع لم يكن بأفضل حال في السابق، إذ لم يكن في دير الزور مكتبات ضخمة لبيع الكتب كما في دمشق وحلب، باستثناء ثلاث مكتبات أساسية يتردد إليها القراء بشكل دوري، اثنتان منها في شارع التكايا وسط المدينة هما "مكتبة عبد الرزاق" و"مكتبة الحمصي"، كان البعض يفتح حساباً شهرياً فيهما يتضمن الاشتراك في الصحف والمجلات الشهرية والفصلية (صحيفة الحياة اللندنية، الكفاح العربي، مجلة الوسط، مجلتي الطريق والنهج الماركسيتين، ومجلة الفيصل السعودية والآداب اللبنانية...)، وأما المكتبة الثالثة فتقع في الشارع العام مقابل جامع الحميدي وبجانب مكتبة شوحان، وأهمية هذه المكتبة بما تحويه من عناوين مختلفة تهتم بالفكر الغربي ومدارسه واتجاهاته الفلسفية وإنتاجه في العلوم الإنسانية الذي يغيب عن باقي المكتبات ذات الطابع التقليدي. وأما الكتب الممنوعة فقائمة يطول ذكرها.
أحد طلاب جامعة الفرات يتردد على "مكتبة تشرين" مقابل بحرة عفرة بين الحين والآخر، وله اهتمامات بالكتب الدينية والأدبية والروايات العالمية، قال لعين المدينة أن غالبية الكتب الموجودة هي كتب تقليدية مثل الكتب الدينية المعروفة من الفقه والتفسير ومدونات الحديث النبوي، وكتب العقيدة والأصول وبعض المراجع التاريخية، وكتب الأدب والروايات العالمية وبالأخص روايات الأدب الروسي.
وأضاف أن أكثر الكتب مبيعاً هي كتب الروايات مثل روايات دوستويفسكي في "الجريمة والعقاب" و"الأخوة كارامازوف" و تولستوي في أشهر رواياته "الحرب والسلام" و"آنا كارنينا"، أو ما يتم ترويجه على شبكات التواصل الاجتماعي، أو ما يتعلق بكتب التنمية البشرية وكتب الحاسوب والبرمجة، إلى جانب إقبال لافت على كتب تهتم بمفهوم الجندرة الاجتماعية وما يتعلق بمفهوم النسوية.
لا وجود للكتب السياسية إطلاقاً وفق الطالب الجامعي الذي تحدثت إليه عين المدينة، وحتى إن وجد بعض العناوين صدفة مثل كتاب "طبائع الاستبداد" و"أم القرى" للكواكبي، فإن القرّاء أو الطلاب يتجنبون شراءها. واستدرك الطالب "أكثر طلاب الجامعة اهتماماتهم خارج الفعل الثقافي فأغلبهم للأسف يضيع وقته في المقاهي".
تتراوح أسعار الكتب ذات القطع الصغير بين 8 و10 آلاف ليرة سورية، أما الكتب ذات القطع المتوسط والكبير فأسعارها تتراوح ما بين 20 و30 ألف ليرة، أي ما يعادل تقريباً ربع راتب موظف حكومي. وتبيع ذات المكتبة شهرياً حسب ما يقدّر الطالب لعين المدينة، ما بين 300 إلى 350 كتاباً من مختلف العناوين، بما في ذلك المراجع التي يحتاجها طلاب الجامعة.
لا وجود لأي نشاط أو مظهر من مظاهر الثقافة وفعالياتها المعروفة مثل المنتديات أو الأمسيات الأدبية والشعرية أو المحاضرات أو معارض الكتب أو حتى المبادرات الثقافية التي يقيمها عادة طلاب الجامعات. أما المبادرة اليتيمة التي قامت بها منظمة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لإحياء مكتبة جامعة الفرات، وأطلقت عليها اسم "همة شباب ورحلة كتاب"، فقد فشلت لأنها لم تلقَ إقبالاً من طلاب الجامعة.
بينما ظهرت على مدى سنوات نشاطات متفرقة قادها مسؤولون لدى النظام أو أساتذة في الجامعة أو إعلاميون موالون، ووقف وراءها تمويل من منظمات وهيئات دولية أو مبادرات فردية من الأهالي، مثل إعادة تكوين وترميم مكتبة المركز الثقافي ومقره الجديد في المدينة بداية العام 2021، والذي قامت بتجهيزه منظمة (UNDP)، ويحتوي حالياً على 1160 عنواناً أي ما يقارب 5000 كتاب. أو من خلال دعوة الناس إلى التبرع بالكتب والمكتبات التي يملكونها، إذ تبرعت إحدى سيدات ديرالزور بما يقارب 2500 كتاب منوع منها السياسي والاقتصادي وغيرها من الكتب النادرة.
وفي مبادرة أخرى أيار 2022 سميتْ بمبادرة "المجتمع المحلي" بتوجيه من أجهزة الأمن وبالتنسيق مع محافظ ديرالزور ومقر قيادة شرطة المحافظة، قاموا بافتتاح مكتبة في سجن ديرالزو المركزي، أطلق عليها اسم "ماري للتعليم والمعرفة"، في محاولة من النظام -على ما يبدو- لتوظيف البعد التاريخي والثقافي والإنساني للاسم في إعادة إنتاج الفقر الثقافي ذاته.