شيرين أكرم بوشعر
30 أيار عن موقع Socialist Worker
ترجمة مأمون حلبي

بقانونه الجديد الذي يُصادر ويبيع أراضٍ تخصّ ملايين اللاجئين السوريين، يستخدم نظام الأسد بعضاً من نفس التكتيكات التي تستخدمها إسرائيل في التطهير العرقيّ بحق الفلسطينيين.

لقد كان 11 أيار آخر مُهلة للسوريين لتسجيل ممتلكاتهم وتقديم دليل الملكية، وذلك تماشياً مع القانون 10 الذي وقّعه الأسد في 2 نيسان، وقد أعطى هذا القانون مدة 30 يوماً، كان خلالها على كل أصحاب الملكيات العقارية أن يُقدموا الأوراق المطلوبة للهيئات الإدارية المحلية المُشَكلة حديثاً، أما مالكو العقارات الذين لا يستطيعون تقديم المستندات المطلوبة فهم عُرضة لأن تصادر ممتلكاتهم العقارية وتباع بالمزاد.

نتيجة لتهجير نصف سكان سوريا بفعل 7 سنوات من الحرب الأهلية، فإن القانون من المرجّح أن يمنع بشكل دائم ملايين السوريين من العودة إلى بيوتهم، فالأغلبية الساحقة من المهجرين من بيوتهم هربوا من عنف النظام، والأغلبية الساحقة منهم شاركوا في الثورة التي انطلقت عام 2011 مطالبة بإسقاط دكتاتورية الأسد أو تضامنوا معها. لذا، يُشكّل القانون 10 أداة لمعاقبة الملايين الستة المُهجّرة داخلياً، والملايين الستة الأخرى من اللاجئين الذين أضحوا خارج البلاد، وهذا العدد من السكان يُشكّل بمجموعه نصف سكان سوريا قبل عام 2011.

من المفهوم أن كثيراً من السوريين يخشون العودة إلى مناطق هي الآن تحت سيطرة النظام، فهم يخافون من الاعتقال والتعذيب والتجنيد القسري، و70% من اللاجئين، على الأقل، يفتقرون للوثائق الشخصية الأساسية، وهذه واقعة يتحمّس النظام لاستغلالها. لقد عمل النظام عمله ليمنع أولئك الذين فقدوا وثائق الملكية، أو أحيل بينهم وبينها، من التماشي مع القانون 10، وذلك بالحرق المُمنهج المتعمد لمكاتب السجلات العقارية في عدة مدن سورية منذ عام 2013. ورداًّ على ذلك حاولت بعض المنظمات السورية والمجالس الثورية المحلية تأسيس مكاتبها للسجلات العقارية، أو تأسيس قاعدات بيانات إلكترونية من أجل جعل سندات الملكية محفوظة رقمياً.

 أدخل نظام الأسد هذا القانون حيز التنفيذ عشيّة انتصاره على مناطق هامّة في الغوطة الشرقية كانت تسيطر عليها قوات المعارضة. فبعد إجبار المتمردين والمدنيين على الفرار من الغوطة، نقل الجيش الأسدي تركيزه إلى حملة قصف جديدة تستهدف الفلسطينيين في مخيم اليرموك، الواقع في ضواحي دمشق الجنوبية. وخلال السنوات السبع المنصرمة، استخدم النظام نفس الاستراتيجية ليُجبر الجماعات المتمردة الواحدة تلو الأخرى على الاستسلام: حصارات التجويع، حملات البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، يتبع ذلك ترحيل ونفي قسري.

يُؤكد نظام الأسد أن هدف القانون 10 تسهيل إعادة تطوير الأحياء البائسة وإعادة بناء مناطق تأثرت بالحرب، لكن هذا القانون ذريعة يُراد منها معاقبة المجتمعات العمّالية التي ثارت عام 2011. فالقانون، مثلاً، لا يفعل شيئاً لمعالجة أحوال الأحياء البائسة الواقعة تحت سيطرة النظام، وهو مُصَمم ليُهندس تغييراً سكانياً واسع النطاق، ويقوم بتجريد المجتمعات ذات الأغلبية السنية التي شكلت قاعدة الثورة من ممتلكاتها ويستعيض عنها بموالين للنظام، بالأخص شيعة من سوريا وإيران.

ويهدف القانون أيضاً إلى تأمين صفقة رابحة للنظام، الذي سيبيع الممتلكات العقارية إلى أصدقاء عائلة الأسد الأثرياء، ويُؤَمّن تمويلاً أجنبياً لعملية إعادة الإعمار، التي بدورها ستُستخدم في توطيد السلطة السياسية والاقتصادية وإثراء الشبكة الضيقة للنُخب التجارية المُوالية لعائلة الأسد، التي يقودها رامي مخلوف، الذي يُعتقد أنه يُسيطر على قرابة 60% من الاقتصاد السوري. إنه لمن المضحك أن بعض اليساريين ما زالوا يَصفون الدولة السورية على أنها «اشتراكية».

للقانون 10 شِبهٌ صارخ بقانون أملاك الغائبين الإسرائيلي، الذي أُنفذ عام 1950 بعد سنتين من إجبار المليشيات الصهيونية 750 ألف فلسطيني على الهرب من بيوتهم وتأسيس دولة إسرائيل على الأراضي المسروقة. القانون الإسرائيلي يُشَرعِن الاستيلاء على الممتلكات الفلسطينية ونقلها إلى الملكية الإسرائيلية. حقيقةً، يستخدم نظام الأسد الكثير من التكتيكات التي استخدمتها إسرائيل لضمان أن مكاسبه من الأراضي -التي حققها من خلال جرائم الحرب، بما في ذلك العقاب الجماعي والتطهير العرقي- لا يمكن خسرانها.

بنفس الطريقة التي يهدف بها قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي إلى جعل النكبة الفلسطينية دائمة، يأمل القانون 10 أن يمنع ملايين السوريين من العودة، مع إعطاء غطاء قانوني لنقل أراضيهم إلى أيادي الموالين.

في الشيخ جرّاح (حيٌ في مدينة القدس) تُشجّع القوانين الإسرائيلية العائلات اليهودية على الاستيلاء على الممتلكات وطرد الفلسطينيين، بمعية القانون. وبطريقة مماثلة، اكتشف لاجئو مدينة حمص أنه تم بيع بيوتهم إلى علويين دون علمهم، باستخدام وثائق مزورة «تُثبت» الملكية. ويدّعي المستوطنون الإيرانيون القادمون للإقامة قرب الأضرحة الدينية في دمشق أنهم «حجاج»، لكنهم موالون داعمون بوضوح للأسد وأعضاء مليشيات يحاولون أخذ مكان سكان المنطقة السابقين.

وكما تطورت حركة داعمة للفلسطينيين ونضالهم من أجل الحرية، نحتاج أيضاً لحركة تردّ على همجية الأسد. ومع أن الثورة السورية قُمعت بهمجية، إلا أن على اليسار أن يُحاول تنظيم التضامن والدفاع عن الثورة في وجه أولئك الذي يريدون محو ذاكرتها، فحركات تقدمية متضامنة مع السوريين يمكن أن تشكل فرقاً كبيراً عندما تنبثق مرحلة كفاحية ثانية للإطاحة بنظام الأسد.