- الرئيسية
- مقالات
- رادار المدينة
القاصرات السوريات.. مطلقات أم ضحايا
"ستي موصية انّي ما أطلع برا العيلة، وما في مهر بين الأقارب" هكذا بررت ابنة حلب اللاجئة إلى تركيا زواجها في سن الخامسة عشرة من عمرها، الذي كان الطلاق وضياع الحقوق نهايته المحتومة بعد أقل من عامين.
علا فتاة سورية من مدينة حلب تزوجت -أو تم تزويجها- من ابن عمها في تركيا بحجة "لا تروح للغريب" على لسان والدها. تقول علا (20 عاماً) "كتب كتابه علي لما كان عمري 14 سنة، ما كان إلي رأي وامي قالتلي اش بيقلك الشيخ قوليله اي"، وأضافت علا "ما كان يسأل عن بيتو، كان همو يروح يسهر عند رفقاتو ويقضيا لعب ورق، لهيك ما قدرت اتحمل وطلبت الطلاق"، وعند سؤالها عن المهر ردت "أنا ما سمعت الشيخ شو حكا لما قال المهر، واصلن ما كنت بعرف اش يعني مهر، وابوي قال بين ولاد العم ما في فرق... هيك عنا بالعيلة".
ويقول أبو محمد والد علا "أنا ظلمتها كتير لبنتي، بس كانت الظروف ما تساعد، ونحنا عنا بالعيلة ما في بنت بتطلع براتها، ولما كانت صغيرة كنا نقول هي البنت لابن عما".
ينتشر زواج القاصرات في مناطق عديدة من سوريا، في الأوساط المحافظة وبين العائلات الكبيرة الممتدة والعشائر، ويعترف به قانون الأحوال الشخصية السوري حتى قبل أشهر من الآن، إذ شهد تعديلاً على السن القانوني للزواج بجعله 18 عاما، بينما كان القانون يعترف بالزواج قبل هذه السن ويشترط فيه “البلوغ" في الطرفين إذا اقتنع القاضي بذلك.
لم يقتصر زواج القاصرات على الزواج من الأقارب، بل تعداه إلى الزواج من أتراك عقب موجات اللجوء إلى تركيا، التي شهدت زيجات عديدة ضمت قاصرات سوريات وأتراك من الولايات القريبة من الحدود السورية خاصة، على أن تلك الزيجات لم تكن الوسيلة الصحيحة للحياة المثالية بالنسبة إليهن، كون القانون التركي يعتبر زواج القاصرات جريمة يعاقب عليها، ما أجبر نسبة كبيرة من الشبان على الزواج بعقود "شرعية" غير قانونية، للحفاظ على سلامتهم من المساءلة القانونية، وبذلك فقدت اللاجئة السورية كافة حقوقها التي لم تسجل في دوائر الدولة أصولاً، وعليه فقد باتت مسألة الطلاق أبسط بالنسبة إلى الأزواج.
لينا (17 سنة من إدلب) تزوجت من شاب تركي في الثلاثين، وقد بدأت معاناتها بعد إنجابها طفلتين من زوجها المتزوج أصلاً، إذ حرمها منهما ورفض التكفل بمصروفها، بالإضافة إلى التهرب من دفع حقوقها، ولاحقاً قام بالانفصال عنها نهائياً ضارباً بالعقد الشرعي عرض الحائط. تقول لينا وهي تعمل حالياً في ورشة للخياطة في مدينة اسطنبول "بعد ما كانو البنات يحسدوني اني اخدت تركي، صار يهددني بالشرطة ويقلي بخليهن يرحلوكي".
وفي حديث متصل مع المحامي غزوان قرنفل رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا قال "الأتراك لا يتزوجون قاصرات بشكل رسمي أو غير رسمي، لأن عقوبة ذلك كارثية"، وأضاف "قد يحدث الموضوع عند زواج السوريات من أتراك خارج منظومة القانون التركية، إذ القانون التركي لا يوصف الفعل على أنه زواج، بل اعتداء جنسي على قاصر، والعقوبة تصل إلى 15 سنة سجن، وتشمل العقوبة الزوج وولي الزوجة، أما كاتب العقد الشرعي فعقوبته 6 أشهر"
الأخصائية الاجتماعية نورا نحاس قالت لعين المدينة "العادات الاجتماعية القديمة أحد أهم الأسباب، فوفقها يجب أن تتزوج المرأة باكراً خوفاً من العار أو العنوسة، بغض النظر عن أهلية الفتاة لتأسيس أسرة، و بتقدم الوقت وقيام الثورة بدأت الأسر بالتفكير بطريقة حماية البنات بالتزويج خوفاً عليهن من الاغتصاب، عقب سماع بعض القصص عن اقتحام قوات النظام لمناطق واغتصاب البنات فيها، يضاف إليه مشكلة الفقر التي تمر بها بعض الأسر، إذ يفكر الأب -كونه المعيل الوحيد للأسرة- بالتخلص من بناته ووضعهن في ظل رجل، بغض النظر عن أهليته أو مقدرته على بناء أسرة".
يعلق الشيخ أحمد علوان (خطيب مسجد) على الموضوع قائلاً "لا حرج شرعي في زواج الفتاة في سنٍ مبكرةٍ، شرط أن تكون قد بلغت حلمها، ولو كانت في سن الثالثة عشرة أو أقل، ما دام الزواج تمّ بموافقة الأب، فالشرع ينظر في هذه المسألة إلى أنّ الأب صاحب الولاية على الفتاة، سواء كانت قاصراً أم في سن البلوغ أو ما يعرف بالسن القانوني، وذلك لشدة خوفه وشفقته على ابنته من جهة، وعدم خبرتها بالواقع الاجتماعي ومعدن الرجال من جهة أخرى، فيجتهد في اختيار الزوج الكفء لها"
ويعتقد علوان أنّ مشروع الزواج "يحتاج لعقول كبيرة، واستيعاب ووعي من قبل الزوج والزوجة وأهلهما"، مضيفاً: "نعاني اليوم من كثرة حالات الطلاق بين القاصرات، وذلك بسبب عدم النضوج، فيقوم الزوج وعائلته بمعاملة الزوجة القاصر معاملة الراشدة وهو فوق طاقاتها، لذلك علينا توجيههم بشكل صحيح" واصفاً ذلك بـالظلم.
وبين أضلاع هذا المثلث (الشرع والقانون والمجتمع) تتوه طفلات سوريات في سوريا أو تركيا، تارة لعدم معرفتهن بالقوانين التركية أو تبرير مواقف أسرهن دينياً، وتارة أخرى بسبب تردي الأوضاع لبعض الأوساط الاجتماعية التي تعمل وفق منطقها الخاص الموروث.