الدكتور ماجد بري
الشهيد الخلوق

السيرة الذاتية

ولد محمد ماجد بري عام 1983 في مدينة حلب. نشأ وترعرع وسط عائلة مُحافظة مثقّفة، هو الابن الأكبر لها. كان من المتفوّقين في مراحل دراسته كافّة. حصل على شهادة الطبّ البشري من جامعة حلب عام 2009 بتقدير جيد جداً، ثمّ بدأ مرحلة التّخصص (داخلية هضمية)، إلا أنّه انقطع في بداية السنة الثالثة على خلفية المُلاحقة الأمنيّة التي تعرّض لها مطلع الثورة. عرفتُهُ شديد الهدوء، قليل الكلام، كثير الحياء، سرعان ما تحمرّ وجنتاه لشدة أدبه، دمث الأخلاق والمعاملة، كريماً، متواضعاً، ملتزماً دينياً، لا يتوانى عن مُساعدة مُحتاج أو مريضٍ أينما كان، يقضي معظم أوقاته خارج المنزل بعيداً عن أهله، متنقّلاً بين المشافي وأسرّة المرضى.

التحاقه بالثورة

التحق الشهيد الماجد بالثورة مبكراً، فهو أحد أعضاء تنسيقية أحفاد الكواكبي التي نشطت في الأحياء الغربيّة من حلب. يفتح لنا مروان الخطيب (دكتوراه في الهندسة المدنية) سجل ذكرياته متحدثاً لـ«عين المدينة» عن صديقه الثائر: كان لقاؤنا الأول أثناء التّحضير لحركة الاحتجاج التي عرفت ببركان حلب، في اجتماع داخل المدينة، بحضور بعض آل بري الذين جمعهم ماجد بهدف استقطاب العشيرة تجاه الثّورة، أو تحييدها على الأقل. إلا أنّ الملاحقة الأمنيّة لكلَيْنا فرّقتنا، لنجتمع بعد بضعة أشهر في منزل واحد بمدينة أنطاكية التركية.

تأثّر ماجد قبل الثّورة بالشيخ الشابّ المرحوم، شيخ جيل واسع من الشباب الحلبي، باسل الجاسر. لازمه مدةً طويلة، وكان ضمن دائرته الضّيقة، وأخذ عنه عشرات الدروس في العلوم الشرعية. وعن سبب التحاقه بالثّورة يقول أحد المقرّبين منه: كان ماجد شديد الغيرة والحرص على شباب سورية، يحزنُه حالهم وتؤسفُه حالة الضياع والتيه لديهم. كان ينتظر فرصةً ينتفضُ فيها الشباب ليعودوا إلى جذورهم، ويعيدوا أمجاد أمّتهم، ويرفعوا اسم بلادهم عالياً بالعلم والحضارة والعدل بين الناس.

الهجرة إلى تركيا والعودة إلى حلب مجدّداً

اضطرته الملاحقة الأمنيّة إلى ترك عروسه ولم يمض على زواجه سوى أشهر قليلة، ليغادر متوجّهاً إلى تركيا نهاية 2011. وفي منتصف العام التالي أسس، بالتعاون مع د. حسان نجار، (طبيب سوريّ مقيم في ألمانيا هاجر إلى تركيا) أوّل دار للاستشفاء في أنطاكية، استقبل فيها ورعى الجرحى السوريين، وتابع أمورهم في المشافي الخاصّة والحكوميّة. بعدها عمل منسّقاً لمحافظة حلب في اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية، وأسهم في تأسيس العديد من المشافي الميدانية ودعمها. وبعد مدّة التحق بمنظّمة أطباء عبر القارات، كعضو لجنة المشاريع ومدير فريق الاستعداد المبكر والاستجابة السريعة. كما شارك في العديد من المؤتمرات والنّدوات والدّورات الإسعافيّة. بعد تحرير ريف حلب  الشمالي توسّع نشاطه، وانتدب لمشافي الريف عموماً ومشفى اعزاز الوطني خصوصاً، ثم امتدّ نشاطه إلى ريف إدلب.

ومن المفارقات المؤسفة التي جرت مع الشهيد، أنّه، ورغم كل التهديدات التي تلقّاها من شبّيحة آل بري، استمر في نشاطه الثوريّ، في حين أنّه تعرّض لمضايقات من بعض الفصائل، واحتجز مرّة، لأنه «بري». ومن الطريف أنه في إحدى جولاته في أحياء مدينة حلب المحررة حديثاً، وكانت مناطق سيطرة الجيش الحر والنظام لا تزال متداخلة؛ تاه مع سائق السّيارة ليجد نفسه على حاجز لقوات الأسد، وأبرز هويته بناءً على طلب عناصر الحاجز معتقداً أنها نهايته، إلا أنه سرعان ما سُمح له بالعُبور مع الاعتذار، لمجرد أنه من آل برّي!

قبيل الوداع

قبل استشهاده بأيام قليلة، بدا الماجد وكأنه يودّع أصحابه وأحبابه. كان يغبط كلّ شهيد، متحسّراً على نفسه. منشوراته الأخيرة على فيسبوك خصّصها للحديث عن الشّهادة والشهيد. ومن يدري فلعلّه طلبها بصدق فنالها. يضيف د. مروان: آخر لقاء بيننا كان في الأحياء الشرقيّة من مدينة حلب، نتنقّل بين المشافي. كان يحدثني -متألماً- عن الخلافات بين الكوادر الطبية، وكأننا في مرحلة الرّخاء ولسنا في مرحلة المخاض وألم التحرير. في طريق العودة سأله أحد الأصدقاء عن صحّة طفلته التي تحتاج إلى عمليات جراحيّة عدّة، وهي في عامها الأول، فتحدّث بحرقة عن تقصيره  في حقها!

الوداع الأخير

في الخامس عشر من تشرين الأول عام 2014 لقي ماجد ربّه، شهيداً على طريق الكاستيلو، بصاروخ حراري استهدفت به ميليشيات الأسد عدة سيارات مدنية، إحداها كانت سيارة إسعاف تابعة لمنظومة «إنقاذ» التي لم يمض سوى بضعة أيام على انضمامه إليها، تاركاً وراءه زوجةً وطفلتين!