الحرب العربية الباردة

ترجمة منصور العمري عن فورن بوليسي، بتصرّف

تحت عنوان "حين ابتعدت الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، حاول حلفاؤها ملء الفراغ ولكن مع نتائج كارثية"، تحدثت (فورن بوليسي) الأمريكية عن اندلاع حربٍ بالوكالة، تمتدّ من العراق عبر سوريا إلى لبنان وتصل إلى ليبيا، كنتيجةٍ لمعركةٍ مريرةٍ بين القوى الإقليمية حول من سيقود المنطقة.

معارك جانبية

المفهوم الغالب في الشرق الأوسط هو أن المنطقة قائمةٌ على التقسيم الطائفي وتأليب السنّة ضد الشيعة، ولكن كثيراً من الصراعات الحالية تجري بين القوى ذات الأغلبية السنية. فالضربات الجوية المصرية والإماراتية الأخيرة على الميليشيات الإسلامية الليبية هي مظهرٌ واحدٌ فقط من هذه المعركة على القيادة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة، وقطر المتحالفة مع تركيا من جهةٍ أخرى. وقد خاضت كلّ هذه الدول صراعاتٍ في العراق وسوريا ومصر والبحرين، والآن في ليبيا، من أجل اعتبارات القيادة الإقليمية. أذكى هذا التنافس على السلطة الإقليمية العنف والصراع السياسيّ والاستقطاب وعمّق المشاكل المتوطنة في البلدان التي سعى إلى التأثير فيها.
ولم تحقق محاولة باراك أوباما فصل الولايات المتحدة عن الصراعات في الشرق الأوسط إلا المزيد من التنافس. ومن وجهة نظرٍ معينة، فإن الفوضى في العراق والحرب (الأهلية) في سوريا والتفكك المتسارع في ليبيا، تمثل إخفاقات القيادة الأميركية في المنطقة. فاعتقد حلفاء واشنطن الإقليميون، نتيجةً لذلك، أنهم يستطيعون تشكيل الشرق الأوسط الجديد بأنفسهم.

الدور التركيّ

كان من المنطقي تماماً أن يعارض الأتراك انقلاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في يوليو/حزيران 2013 في مصر. فالدولة التركية لديها معاناةٌ قديمةٌ وطويلةٌ من التدخلات العسكرية في الحكم، كما أنّ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يعلق أهميةً قصوى على التضامن الإسلاميّ في إدارة السياسة الخارجية لتركيا. وبعد الحرب الكلامية بين أنقرة والقاهرة سعت الحكومة التركية إلى دعم جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك بثّ تلفزيون رابعة من إسطنبول، وهي محطةٌ تلفزيونيةٌ تابعةٌ للإخوان وتسعى إلى نزع الشرعية عن العملية السياسية بعد الانقلاب في مصر.

قطر-السعودية

تريد القيادة القطرية أن تقاوم الضغط السعوديّ على الدوحة للتماشي مع الرياض في القضايا الإقليمية، مثل إيران ومصر وغزّة وسوريا. وتسعى المملكة العربية السعودية الآن لإغراء قطر بقبول تفوّقها، فأرسلت مؤخراً وفداً رفيع المستوى إلى الدوحة، بعد التوتر السابق الذي تمثل في سحب سفراء مجلس التعاون الخليجيّ من الدوحة، وهي الخطوة التي أثبتت فشلها. كانت قطر أقل حذراً من غيرها في دعم الجماعات المقاتلة في سوريا والعراق، رغم أن جميع الأطراف قدّمت التمويل الرسميّ لجماعاتٍ إسلاميةٍ في سوريا، وسمحت بوصول مساهماتٍ فرديةٍ خاصّةٍ إلى جماعاتٍ بما فيها جبهة النصرة. وقد ساعد ذلك في خلق بيئةٍ تضمّ وتدعم الجماعات العنيفة والسلمية التي تسعى لقلب النظام.
حتى الآن، فشلت جميع الأطراف في كسب المعركة، مع اصطدام الإسلام السياسيّ بالقوى السعودية والإماراتية. بينما تعيث القوة الإيرانية دون رادع. ومع سلبية الإدارة الأمريكية وجمودها قرّرت الرياض وأبو ظبي مواجهة هذه التحديات بسياسةٍ متماسكة.

دعمٌ قاتل

لم تسفر الكمــية الهائلة من المال التي نثرها السعوديون والإمــاراتيون في جميع أنحاء المنطقة، حتى الآن، إلا عن مزيدٍ من العنف. ففي مصر، شكّل المال والدعم السياسيّ من قبل الرياض وأبو ظبي لجنرالات القاهرة غطاءً للانخراط في حملةٍ واسعة النطاق ضد المعارضة السياسية، فقُتل 2500 شخص، وأُصيب 17000، وسُجن 16000 بين انقلاب يوليو/حزيران 2013 ومارس/آذار الماضي. أمّا في سوريا فقد أثارت الخلافات بين دول الخليج السنّية حول الجماعات التي يجب دعمها مشاكل عديدة من بينها عدم وجود قيادةٍ متماسكةٍ للمعارضة، ما يقوّض محاولات إسقاط الأسد.
ليست لهذه الصراعات علاقةٌ بإيران وبالانقسام بين السنّة والشيعة. ولكن تواصل الحروب بالوكالة بين السعوديين والإماراتيين من جهةٍ والقطريين والأتراك من جهةٍ أخرى يسبّب الفوضى، وهو ما يعود بنتائج سلبيةٍ على المنطقة. ومن الواضح أن البيت الأبيض يتعلم الدرس وهو على بعد خطواتٍ من ضرب داعش في سوريا. ويبدو أن الحسابات الخاطئة والأسلوب العقيم لحلفاء واشنطن في محاولة حل المشاكل الإقليمية، نجحت في القيام بما كانت إدارة أوباما لا تريده، وهو تدخّل الولايات المتحدة مرّةً أخرى في الشرق الأوسط.