التعليم المنزليّ: نقطةٌ مضيئةٌ في فضاءٍ تعليميٍّ مظلم

بين الفوضى العارمة في النظام التعليميّ، وخوف الأهالي على أبنائهم من الذهاب إلى المدارس، جيلٌ من أطفال سوريا مهدّدٌ بالجهل. وفي هذا الفضاء المظلم تلوح نقطةٌ مضيئةٌ أمام أولياء الأمور، وهي "التعليم المنزلي".

أعلنت منظمة أوكسفام غير الحكومية، في آخر تقريرٍ لها عن الأوضاع في سوريا، أن 25% فقط من أطفال النازحين إلى الخارج يذهبون إلى المدارس، ما يعني أن العدد الأكبر من جيلٍ كاملٍ سيكون محروماً من التعليم الأساسيّ. وقد يكون الحال في داخل البلاد أكثر سوءاً في بعض المناطق، مما دعا الكثير من الأهالي إلى البحث عن حلٍّ لهذه المعضلة، تمثّل بشكلٍ أساسيٍّ في ظاهرة التعليم المنزلي. "عين المدينة" التقت بالسيدة أميرة سالم من محافظة دير الزور، للحديث عن الأسباب التي تمنع معظم الطلبة في داخل سوريا من الالتحاق بالمدارس، وعن تجربتها مع التعليم المنزلي، فقالت: السبب الأساسي لعدم التحاق الكثير من الطلبة بالمدارس هو السبب الأمنيّ، فمعظم السوريين لا تغيب عن أذهانهم صور المجازر التي ارتكبها النظام، إذ كلّ مدرسةٍ معرّضةٌ للقصف. أما الأسباب الأخرى فتتنوّع بين الأسباب الاقتصادية والعجز عن تأمين متطلبات الدراسة، بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار التي يعيشها النازحون، وهم يشكلون اليوم شريحةً كبيرةً في سوريا. كما أن عدداً كبيراً من المدارس لم تفتح أساساً، لعدم وجود الكادر التعليميّ الكافي، أو لامتلائها بالنازحين.
وقد رفضتُ التحاق أبنائي بالمدرسة لوجودنا في منطقةٍ خطرةٍ تتعرّض للقصف بين حينٍ وآخر. ما دفعني ـ مع سيداتٍ كثيراتٍ ـ إلى البحث عن بديل، فلم أجد حلاً مناسباً سوى التعليم المنزلي. وهو نظامٌ تعليميٌّ معروفٌ في كثيرٍ من دول العالم المتقدمة، يتولى فيه الآباء تدريس أبنائهم بما يتناسب مع ميولهم واهتماماتهم. وهناك من ركّز على التعليم المنزلي في كثيرٍ من دول العالم بهدف إصلاح التعليم. ومن البديهي أن ينطبق هذا الكلام على النظام التعليمي المهترئ في سوريا قبل الثورة، فما بالك به الآن وقد وصلت المدارس إلى ما وصلت إليه من سوءٍ في الإدارة والتنظيم وفقدان الأمان. ولهذا عملتُ على وضع برنامجٍ دراسيٍّ لأبنائي تضمّن المواد المهمة. وكنت أحرص أن يتم تنفيذه في جوٍّ من المرح، مع تذكيرهم دائماً بأهمية ما يقومون به لمستقبلهم.

 

كارثة الجهل الذي يساق إليه أبناؤنا

وعن أهم أسباب زيادة الاهتمام بالتعليم المنزليّ حدثنا الأستاذ مهيدي الراوي بالقول: أهم تلك الأسباب هو إحساس الأهالي بكارثة الجهل الذي يساق إليه أبناؤهم يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى حالة البطالة التي يعيشها الكثير من أولياء الأمور. ففي دير الزور دوائر الدولة كلها معطّلةٌ تقريباً، مما جعل أعداداً كبيرةً من الرجال والنساء بدون عمل، وبالتالي هناك وقت فراغٍ كبيرٍ يهيّئ لهم ظرفاً مناسباً لمتابعة تعليم أبنائهم في المنزل.
وعن صعوبات هذه العملية واصل حديثه: أبرز المشكلات التي واجهتنا كأولياء أمور كانت تتمثل في عدم تأهيل كلٍّ منّا لهذا الدور، لكننا نحاول الاستعانة ببعض القراءات في هذا المجال لتجاوز تلك العقبة.
أما فوائد التعليم المنزلي فتتمثل في توفير فرصٍ كبيرةٍ للتفاعل بين الطفل ووالديه، مما يعمّق الروابط الأسرية. بالإضافة إلى الاستغناء عن الذهاب إلى المدرسة والتعرّض للخطر، وتجنّب تبعات الفوضى التي تعاني منها غالبية المدارس، كاستهلاك زمنٍ طويلٍ مقابل مردودٍ تعليميٍّ ضعيف. وأخيراً تحرير الطفل من الضغط النفسيّ الذي قد يعيشه في المدرسة بسبب الازدحام، وتوتر مزاج بعض المعلمين نتيجة الظرف الراهن.
ولتحقيق أفضل النتائج لا بدّ من التأكيد على أهمية الانضباط ومراعاة الجدية من قبل أولياء الأمور والأبناء معاً، والبدء دائماً بالمقررات التي يميل إليها الأولاد، بالإضافة إلى ضرورة الإلمام بأهداف المرحلة التعليمية من خلال الاستعانة ببعض المختصّين. وفي حال عدم وجودهم محاولة أخذ فكرةٍ وافيةٍ عن المقرّرات، واستخلاص تلك الأهداف منها.