اتحاد فلاحي النظام في دير الزور.. تنافس المخبرين المحليين على المناصب والمكاسب الصغيرة

من صفحة "اتحاد فلاحي دير الزور" على الفيسبوك

أجرت الروابط الفلاحية في المناطق الخاضعة للنظام بديرالزور مطلع العام الجاري انتخابات رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الجمعيات الفلاحية، في ظل إفلاس وعجز مؤسسات النظام عن تقديم أي خدمات أو تحسينات على الوضع المزري لعموم سكان مناطق سيطرته في محافظة ديرالزور، وخصوصاً للعاملين في مجال الزراعة.

ورغم ذلك تنافس العديد من المرشحين في القرى والبلدات في ريف ديرالزور للوصول إلى رئاسة الجمعية الفلاحية أو مجلس إداراتها، فبحسب المتعارف عليه توفر هذه "المناصب" لشاغليها فوائد على مستويات عدة، أهمها الوجاهة على المستوى الاجتماعي عبر إدارة اجتماعات الجمعية الفلاحية واستقبال استفسارات الفلاحين في الجوار، والاحتكاك في بعض الأحيان بمسؤولين من قيادة أحد الأفرع الأمنية أو أعضاء مكاتب حزب البعث.

على المستوى المادي يشارك رئيس الجمعية الفلاحية بوضع لوائح بأسماء الفلاحين المستحقين للدعم من بذار وسماد ومبيدات وشبكات ري وأجهزة المكافحة من المشاريع التي تنفذها المنظمات الدولية المانحة مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (undp) أو منظمة الأغذية والزراعة (fao) أو منظمات أجنبية غير حكومية مثل اوكسفام (oxfam)، واستجرار السماد والبذار من المصرف الزراعي، والتدخل بتسويق القمح والقطن، وطلبات المازوت المدعوم من محطات اتحاد الفلاحين بسعر 500 بدل 1700 ليرة سورية. وقبل كل ذلك تأتي فوائد رئاسة الجمعية على المستوى الشخصي من خلال سقاية أراضي الرئيس ريات كاملة بدون رقابة أو محاسبة، ثم من كونه نافذ القرار على جرارات الحراثة والحصادات، وقدرته على تحميل تكاليف أرضه على المساحة العامة للجمعية.

يشكل رئيس الجمعية الفلاحية مركز تقاطع عالمين منفصلين يعيش كل منهما على هامش الآخر، أحدهما عالم القرية أو الناحية بما فيه من عوز وفقر وخوف واقتتال على بقايا النفوذ والفوائد وحاجات يرتبط توفيرها بالارتباط بالسلطة، والآخر عالم السلطة المتمثلة هنا بالحلقة الأصغر في الهيكل التنظيمي لاتحاد الفلاحين العام، والذي يقرر نظامه الداخلي إجراء انتخابات لاختيار رئيس الجمعية الفلاحية ومجلس إدارتها بحضور عضو مكتب الفلاحين في فرع الحزب جدعان الصالح الذي شهد مطلع العام الجاري 27 اجتماعاً في عموم ريف ديرالزور الخاضع للنظام لتنظيم تلك الانتخابات، رفقة أمناء الشعب الحزبية وأحد مندوبي اتحاد الفلاحين.

في إحدى قرى ريف مدينة ديرالزور اجتمع في يوم الانتخاب حشد من المهتمين والأقرباء المدفوعين إلى الحضور لإيصال مرشحهم لرئاسة الجمعية الفلاحية، بانتظار بداية الاجتماع في إحدى مدارس القرية. ونقل أحد المتابعين لعين المدينة بعض كواليس الانتخاب الذي راح المستفيدون قبله بساعات يقلّبون المكائد والحسابات القرابية والاتفاقات الجانبية التي ترتب المفاضلة بين الطامعين بالمنصب، وفي أحد الصفوف الكبيرة داخل المدرسة جلس الفلاحون على مقاعد أبناءهم، بينما اصطف أعضاء اللجنة المنظمة للانتخابات مواجهتهم على المنصة أمام السبورة.

وشرح المصدر عن كون الانتخاب كان شكلياً، وكان قد بدأ بطلب أمين الفرقة الحزبية من الحضور ترديد الشعار الذي قطع الأحاديث الجانبية للحظات، ثم عادت أثناء التفقد بموجب سجل الأعضاء المقدم من الرئاسة السابقة، وتخللها ضحكات مكتوبة بسبب الإجابة ب"حاضر" عن جميع الأسماء التي رددها مدير الجلسة ليعلن عن اكتمال "النصاب القانوني" لها، ويبدأ بقراءة التقرير السياسي حول "الحرب الكونية" و"القائد الخالد" بعد أن رجا الحضور إغلاق الجوالات.

لا مطامع تحيط بانتخاب الجمعية الغنامية التي بدأ بها الانتخاب، خاصة بعد ما أصاب المهنة من قلة دوراتها العلفية، وعزوف المربين عن استجرار مخصصات النخالة والشعير بسبب أسعارها التي تفوق أسعار السوق الحرة، وصعوبة إيصالها لكثرة الحواجز وما تفرضه من إتاوات؛ ما جعل مجلس إدارتها لهذه الدورة هو ذاته المجلس السابق دون إجراء انتخابات. كما أنه لا مجال لطرح المطالب التي تثقل كاهل الحضور، الأمر الذي أحبط البعض ممن اجتهد بصياغة ورقة مطالب حسب المصدر، تتضمن العلف والسماد والبذار والمحروقات وغلاء الحراثة وإصلاح المحركات وضعف القوى الإروائية والتعديات وعلاج انخفاض منسوب النهر ومشاكل التسويق وتعنت المصرف الزراعي وديونه المجدولة منذ عقود.

وأشار المصدر إلى حالة التبرم التي ظهرت مع سجائر اللف التي انتشر دخانها من الصف الأخير، والتصويت الهازئ على المجلس السابق برفع الأيدي لتتم إقالته، ثم استقبال الراغبين بالترشح لمجلس الإدارة الجديد ممن تتوفر فيهم شروط هي عدم كون أحد الأبناء متخلفاً عن الخدمة الإلزامية بدون تأجيل قانوني أو بدل خدمة، أو عدم وجود أحد الأبناء خارج البلاد "تحت طائلة المساءلة الأمنية". فتح القانون الأخير الباب لبدء المشادات بشكل متصاعد، وارتفعت الأصوات من كل زاوية؛ "اقعد مالك مصلحة"، "انت شمعرفك"، "هذا ابنو بتركيا"، "ابني بلبنان.. البلد الشقيق"، "انت ابنك بالميليشيات الانفصالية"، "نتواجه بعد الاجتماع".

ومع شعار "الأمل بالعمل" اختتم مدير الجلسة الاجتماع بتشكيل مجلس إدارة الجمعية الزراعية المكون من رئيس وأمين صندوق ومستودع ورقابة ومندوب اتحاد وأعضاء متممين كان قد وجّه الانتخابات لوضعهم في مناصبهم. وبعد ترديد الشعار توجه الضيوف إلى منزل أمين الفرقة لتناول وجبة الغداء المشروطة تكاليفها مسبقاً على الرئيس المنتخب، دون أن يلتفتوا إلى ما يحدث خلفهم مع نهاية الاجتماع من تحول المشادات الكلامية إلى مشاجرة بالأيدي والعُقُل.

أما الرابطة التي تنتمي إليها الجمعية الفلاحية التي نقل المصدر كواليس انتخابها، ففي السادس من شهر كانون الثاني من العام الجاري تم تشكيل مجلسها بالتزكية برئاسة كمال الركاض "أبو عماد" من بلدة مراط العامل السابق في كازية الرابطة، بعد ما كان قد وفره و سيوفره للمسؤولين من محروقات من المخصصات الزراعية المعتمدة للجمعيات التعاونية والرخص الزراعية الخاصة، وبعد ترقيته إلى عضو عامل بحزب البعث كونه لم يكن مؤهلاً حزبياً للقيادة.