أثرياء دير الزور الجدد

بركة نفط خام، على أطراف قرية خشام بدير الزور | عدسة فراس

كان (س) 34 عاماً عامل تهريبٍ مأجور، أو حمالاً ينقل الدخان المهرّب ويأخذ أجرته بالقطعة. ولم يكن هذا العمل كافياً لسدّ رمق (س) شبه الأميّ وقليل الحيلة والإمكانات، كما يصفه من عرفوه سابقاً. إلا أن هذه المعرفة لم تكن دقيقةً كما يبدو، فقد فاجأ (س) معارفه وأصبح اليوم واحداً من كبار تجار السلاح، وواحداً ممن يحدّدون سعره في محافظة دير الزور كلها، يملك عدداً من السيارات الفخمة، ويمشي بين الناس برفقة حراس، فقد أصبح هذا الأجير المغمور سيداً محلياً وصاحب أعمالٍ ومنافساتٍ وخصومٍ كأيّ رجلٍ عمليٍّ ذي تأثير. تزوج (س) منذ مدّة قريبة، وانطلقت عقب زواجه شائعاتٌ كثيرةٌ تتحدث عن الأموال التي أنفقت في هذا الزواج وحفل الزفاف، وصل بعضها إلى رقم 10 ملايين ليرة سورية، غير الذخيرة التي أطلقت من البنادق والرشاشات ابتهاجاً بالعرس، وما رافقها من قنابل صوتيةٍ وأخرى مضيئةٍ لتضيء سماء قريته، كما أضاءت الثورة والحرب حياة (س) المظلمة، ليخرج من عالم البؤس الى النعيم. فقد تغيرت حياته رأساً على عقب، وابتسم له الحظ لدرجةٍ تفوق الأمنيات، فلا يدري اليوم أين ينفق الأموال التي يجنيها من تجارة السلاح، ولن تكون هواية الخيول الأصيلة التي هويها مؤخراً كافيةً للإجابة عن هذا السؤال.
أمثال (س) كثيرون، كما يقول محمد، وأمثالي أنا أيضاً - يضيف الرجل الخمسيني - ممن فقدوا أموالهم كثيرون. وبالفعل خلقت الحرب اقتصاداً آخر وأعادت توزيع الثروات بطريقةٍ سريعةٍ وعشوائيةٍ ومتغيرةٍ من مكانٍ إلى آخر داخل المحافظة نفسها. ويمكن للمراقب أن يرصد ملامح وعوامل رئيسيةٍ في هذا التوزيع، فتجّار مدينة دير الزور على سبيل المثال هم الأكثر تضرراً، إذ فقدوا أجزاء من رؤوس أموالهم، والمتمثلة بالبضائع التي تركوها داخل المستودعات وقت نزوحهم هرباً من القصف في صيف العام 2012، مما عرّضها للتلف والنهب والضياع، وكذلك تعطل أجزاءٍ من رأس المال بتوقف أعمالهم بشكلٍ كاملٍ في المتاجر والمحلات، فضلاً عن التدمير المتواصل بفعل القصف بأشكاله المختلفة.
أما تجار مدينة الميادين فقد حملت إليهم الحرب وآثارها فرصةً لا تعوّض، بتحوّل مدينتهم إلى مركز المحافظة الاقتصاديّ الأول، لأنها تحرّرت بكاملها في وقتٍ مبكر، ولا تقع في مرمى مدفعية الأسد، وينحصر القصف عليها بالطيارات فقط، وهي قليلةٌ نسبياً بالمقارنة بالغارات شبه اليومية على مدينة دير الزور والمناطق المحيطة بها. ويعزّز اقتصاد الميادين أيضاً وجود عددٍ كبيرٍ من النازحين إليها، مما يعني طلباً كبيراً على مختلف أنواع البضائع، بغضّ النظر عن القدرة الشرائية التي تغيّرت هي الأخرى وإلى حدٍّ كبير. ويضاف إلى هذا كله وقوع الميادين في موقعٍ جغرافيٍّ يتوسّط الريف الشرقيّ المحرّر، وقربها من أسواق النفط المستخرج عشوائياً ومراكز تكريره البدائيّ، مما يضيف رافداً مالياً هائلاً يصبّ في أسواق هذه المدينة. ويتندّر بهذا الحلاق مصطفى عندما يقارن بين زبائنه العاديين والزبائن "السوبر" من أصحاب الحرّاقات، الذين يأتون من القرى القريبة إلى محله للحلاقة بشكل دوريّ، "ويرمون بالخمسمئة ليرة على كل حنجرة دقن"، كما يقول.
وفي البوكمال، التي نالت أثناء معارك تحريرها قسطاً كبيراً من القصف، مما تسبب بضررٍ كبيرٍ في الممتلكات من بيوتٍ ومحلاتٍ وغير ذلك؛ استطاعت هذه المدينة النهوض من جديدٍ وأخذت تتعافى من آثار الحرب، واستطاع معظم التجار استئناف أعمالهم، مستفيدين بدورهم من مكاسب الاقتصاد الجديد، ومتجاوزين لمعظم الآثار السلبية المتمثلة في انقطاع أو اضطراب طريق التجارة إلى حلب ودمشق، بعد أن وجدوا البدائل - مثلهم مثل تجار الميادين - في البضائع التركية. ودائماً، بحسب ما يقول خليل، وهو التاجر الشاب: هناك زبونٌ لأيّة سلعةٍ مهما ارتفع ثمنها. ويضيف ضاحكاً: ولدينا نحن أيضاً آبار نفطٍ وصهاريج وحرّاقات.