كانت سنة الخسائر الكبرى، هذا ما يوسم به العام 2018 الذي يمضي بحمل ثقيل من الخيبات والتطورات المتباينة التي حملت قضية السوريين وحلمهم بالحريّة إلى مفازات جديدة وحقول جيوستراتيجية: قد تحدّد في العام 2018 مصير الكثير من المفردات السورية التي ازدحمت حولها التناقضات.

من الغوطة إلى حوران، ومن دير الزور إلى إدلب، ومن دمشق إلى حلب، ثمة الكثير مما يحكى، ومما لايتسع له مجال السرد هنا، ومما بات معروفاً، ومما سيظل مجهولاً لوقت طويل.

في جوهر أحداثها لا تبتعد 2018 كثيراً عن أخواتها السبع الماضيات، فهي وقت ممتد للقتل والإرهاب والقصف العشوائي والكيماوي والتعذيب حتى الموت، الذي يمارسه حلف نظام بشار الأسد ضد السوريين، لكنّها أيضاً رغم كلّ مآسيها سنة الشطب، التي تلاشى فيها دور الكثير من القوة التي جرّت ثورة السوريين نحو هوامش بعيدة عن قضيتهم الأولى، ونحو مواضع لامست حدود تحميل السوريين وزر ممارسات لا تمتّ لما يريدون بصلة.

2018 عام انكماش جغرافيا "داعش"، وعام تمدد حلف الأسد، عام المصالحات الزائفة، وسقوط مراكز ثورية كان يظن أنها أكثر رسوخاً. وهو عام انكفاء إيران إلى عزلتها، وعام وضع النظام أمام حقائق ثقيلة مثل (إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، وتصريف فائض القوة لدى شبيحته بعد أن اعتادوا على عدم وجود دولته).

تبدو الصورة قاتمة بدون شك، مؤلمة ومثيرة للإحباط، لكنّ هذه لطالما كانت سمة تاريخية تدمغ الثورات الطويلة والعميقة، وفي أشهر الأمثلة وأكثرها إغراء للمقارنة، كان الفرنسيون قد وصلوا بعد سنوات من الدم والمذابح وانهيار الدولة إلى حالة من السوداوية الجمعية، دفعت بعضهم لإطلاق لقب "البلاء العظيم" على الثورة، التي عادت لتغير لاحقاً مسار تاريخ الإنسانية برمته.

يحتمل العام الذاهب إلى التاريخ السوري أن نسميه "عام البلاء" لكنّه أيضاً عام إنتاج فرص؛ قد يكون التفكّر في استثمارها سبيلاً إلى تغير أكثر موضوعية، وأكثر اقتراباً من أرض الحلم السوري.

هناك الآن -ولأول مرة منذ 2012- تقابل أصيل وجذري بين طغيان يتعجل إعلان انتصاره، وإرادة شعبية معمدة بدماء مليون شهيد للتخلص منه، وهناك هوامش تائهة وضعها السوريون بوضوح في مواضع إرهاب داعم ومواز لمشروع الأسد الإرهابي.

نعم، قد يبدو مسار إعادة تعويم النظام قائماً الآن، لكن مجدداً هناك ما يكفي من السوابق لطغاة توهموا النصر واحتفلوا به ثم سقطوا.