في غمرة الجرد السنويّ للثورة في ذكرى انطلاقتها، جاء شهر آذار هذه المرّة وأحداثٌ ومتغيّراتٌ عديدةٌ تشغل السوريين، على رأسها نتائج التدخل الروسيّ وما أُعلن عنه من انسحابه العسكريّ المزعوم. فيما احتلت جنيف والمفاوضات السياسية والهدنة والاتفاقات الدولية ونتائجها الميدانية صدارة المشهد. وفي سياقٍ متصلٍ ومنفصلٍ كان الحديث عن الفيدرالية، وظهور ما يسمّى بالمجلس الاستشاريّ النسويّ الذي شكّله المبعوث الدوليّ ستيفان ديمستورا، جزءاً رئيسياً من الصورة.
بعيداً عن التعليقات الساخرة التي أعقبت ظهور ما بات يعرف في أوساط إعلام الثورة بنساء ديمستورا، تستحق طبيعة الدور والمستوى اللذين ينشط ضمنهما هذا المجلس توقفاً مطولاً، ليس فقط لأن مطالب من قبيل (الرفع الفوريّ للعقوبات الاقتصادية عن "الشعب السوري" التي تعيق وصول الغذاء والدواء والمعدات الطبية) و(الإفراج الفوريّ عن جميع المعتقلين لدى "جميع الأطراف") هي جلّ ما يشغل بال عضواته، ولا لتحاشيهنّ التعريج في مؤتمرهنّ الصحفيّ التعريفيّ، ولو بكلمةٍ، على ارتكابات النظام ومسؤوليته الرئيسية تجاه ملف المعتقلين، كأضعف إيمان "العدالة والسلم الأهليّ"، وإنما لما تشير إليه الخلفيات الإجتماعية والسياسية التي انحدرت منها غالبية عضوات المجلس، والتي تتجاوز بلا شك ادعاءات المطالبة بضمان حقوق المرأة في المساهمة في "رسم ملامح سوريا المستقبل"، والبحث عن التمثيل والمشاركة بنسبة 30% في العملية التفاوضية، على ما طالبت به المتحدثة باسمهنّ في المؤتمر الصحفيّ.
إذ تأخذ كلٌّ من هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة ومؤتمر القاهرة ومؤسّسات النظام الإعلامية والتعليمية والدينية حصّتها من التمثيل ضمن هيئة المجلس ذي الـ12 عضوة. فتتولى أسماءٌ كمنى غانم، نائبُ لؤي حسين رئيس تيار بناء الدولة، وديانا جبور، مديرة التلفزيون والمؤسّسة العامة للإنتاج التلفزيونيّ والإذاعيّ سابقاً، إلى جانب أسماء كفتارو، حفيدة مفتي النظام وزوجة "الداعية" محمد حبش، وإنصاف حمد، الأستاذة الجامعية ورئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة المقرّبة من أسماء الأسد؛ مهمة الاستشارة لديمستورا راعي المجلس والعملية السياسية السورية. لكن قضية التمثيل والانتماء لا تعدّ كبرى المآخذ على المجلس بالمقارنة مع الخطاب "السياسيّ" الذي ينطلق منه، والذي بات يمثل تياراً "فاعلاً" (؟) عرف عنه احتقاره وإهانته للثورة والثائرين وما يمثلون، التي سبق لإحدى العضوات -منى غانم- أن وصفتها بـ"ثورة الزبالة"، في حين لم تُعرف عن معظم الوجوه الأخرى مواقف علنيةٌ أو مبطنةٌ أفضل.
وإذا كان الحرص على التمثيل النسويّ، والخياطة بمسلّة البحث عن السلم، وبغض السلاح، وبناء وطنٍ لكل السوريين هي الشعارات التي يتلطّى تحتها المجلس الاستشاريّ، مثلما فعل محسوبون على المعارضة كهيثم مناع ولؤي حسين قريبي الصلة السياسية بأبرز عضوات المجلس؛ فبهذا المعنى ينطبق الحديث عن المجلس بنفس القدر الذي ينطبق فيه على ما يسمّى تيار "الواقعية السياسية" التي يتبناها ويروّج لها مناع وحسين كـ"منطلقٍ للحلّ" و"مخرجٍ وحيدٍ للأزمة"، على ما اهترأت ألسنتهم بالقول منذ بداية الثورة وقبل توسع المقاومة المسلحة التي تلقى عليها وعلى جمهورها اللائمة بوصفها أساس الشرور والمآلات التي وصلت إليها الحال، مثلها في ذلك مثل التطرّف الذي أنتجته وكسرت استقلال "القرار الوطنيّ" الذي بات مرتهناً للخارج، وأيُّ خارجٍ هنا؟ بالطبع السعودية وقطر. في حين تفرض الواقعية السياسية على أصحابها إبقاء خطوط التواصل وتبادل المديح والثقة مع نظام الكيماويّ والبراميل ومواليه وحلفائه العسكريين والطائفيين كروسيا وإيران، في وقتٍ لا ينفك فيه "الواقعيون" عن اعتبار قوّات الأسد وميليشياته جيشاً ومؤسّساتٍ وطنيةً ينبغي الحفاظ عليها رغم كل ما حدث. إلى أن انتهى مآل مناع -مثلاً- رئيساً اسمياً لمجلس سوريا الديموقراطيّ الذي يمثل ميليشيا قوات سوريا الديموقراطية المشبوهة والمفروضة بسلطة الأمر الواقع الفوقية، مثلها في ذلك مثل المجلس النسويّ الذي جاء تعبيراً صارخاً عما يبحث عنه ديمستورا ومن معه ومن يشبهه، متحاشياً البحث عن إرادة باقي السوريين.
من هنا، لا يعبّر تيار المجلس النسويّ عما يدّعي أصحابه، وإلا لاستدعى الخجلُ حدّاً ما من احترام الثورة والاعتراف بها على أقلّ تقدير، كونها أسهمت أيضاً في صنع شخوصٍ ووجوهٍ تحوّل "نضالها" إلى نكران فضل الحرية التي أمّنتها تضحيات مئات الألوف من الشباب والشابات، والاستعاضة عن ذلك بشتيمتهم أو بتزوير تمثليهم بحجة شعاراتٍ حداثيةٍ باتت شبه بديهيةٍ في عالم القرن الـ21، في حين لم يستطع واقعيو المؤتمرات والحلول السياسية الفوقية تقديم خيارٍ بديلٍ عن النظام. هذا ما اكتشفت الثورة منذ أيامها الأولى أنه العقبة الأساسية والوحيدة أمام الحرية والعدالة... وحقوق المرأة الحقيقيين.