- الرئيسية
- مقالات
- ملف
واقع الخدمات في معدان
كانت المحافظة على الأملاك العامة إحدى المهام المتوقعة من المجلس المحلي بعد طرد النظام، ولم يكن الأمر سهلاً مع وجود فصائل وضعت عينها منذ البداية على تلك الأملاك. لكن رغم بعض الاستثناءات، استطاع المجلس تحقيق الحد الأدنى من ضبط تلك الأملاك واستعمالها، بتحالف مضطرب مع «صقور السنة» وشرطة مدنية أسسها مدير ناحية سابق من المنطقة. وقد تركت جبهة النصرة ثم داعش المجلس يمارس أعماله حتى بعد أشهر من سيطرتها على معدان، إلا أن أعضاءه فضلوا التوقف عن العمل بعد مضايقات التنظيم المتصاعدة، ليتولى مكتب الخدمات فيه، إلى جانب دواوين ومكاتب أخرى، مهام المجلس المنحل.
يرى ناشطون من معدان أن مطالب أهالي ناحيتهم خدمية وليست سياسية، ولذلك لم يتفاعلوا مع الثورة، التي استجاب لها في البلدة أفراد من الفئات الوسطى استطاعوا، عبر المجلس، تقديم خدمات جيدة نسبياً، الأمر الذي تحاول داعش حتى الآن الحفاظ عليه، رغم انهيار التعليم منذ مدة طويلة، ثم الزراعة، واليوم المياه والكهرباء والاتصالات، بسبب ظروف الحرب وسياسات التنظيم. فمنذ شهرين قطعت الكهرباء نهائياً عن معدان، وقبلها كان التنظيم يتقاضى 2000 ليرة سورية شهرياً من المستفيدين منها، والآن تنتشر عشر مولدات خاصة توفر ثمانية ساعات يومياً للمشتركين، بسعر ثلاثة آلاف ليرة للأمبير شهرياً. بينما تصل المياه عكرة عن طريق الشبكة في فترات متباعدة، بسبب كثرة الأعطال، ويلجأ الأهالي إلى شراء خمسة براميل من الماء بـ1000 إلى 1500. لكن التنظيم يكافح للمساهمة في تعويض الخدمات أو ضبطها، وهو ما يبدو جلياً في قطاعي الأفران والصحة، بينما حافظ سوق الخميس العريق على إيقاعه المعتاد.
الأفران
عمل المجلس المحلي، بحسب رئيسه جاسم الموسى، على توزيع 100 طن من الطحين قدّمت من الخارج في بداية تأسيسه، و100 أخرى بعد خبزها في الأفران. ثم بدأ بعد ذلك باستعمال مخزون الصوامع التي استطاع، بضغط على الفصائل، أن يحافظ على محتوياتها البالغة 8452 طناً من الحنطة، وراح يشتري من عائدات الطحين محصول الفلاحين، ويبيع النخالة في مزاد علني.
وبحسب الموسى، تعاقد المجلس مع مستثمر لجلب مطحنة باستطاعة 10 طن يومياً وتشغيلها، لكنه كان يضطر إلى إرسال كميات أخرى عبر «أحرار الشام» إلى مطحنة النعيمي بحلب، مقابل كمية من الحنطة تصل إلى 30%. وفي منتصف 2014 حصل المجلس على مطحنة أخرى باستطاعة 30 طناً يومياً، مقدمة من المنتدى السوري للأعمال، ركّبها المجلس في الصوامع، واستولى عليها التنظيم بعد ذلك، كما استولى على الفرن الآلي الذي جهّزه المجلس في بداية 2014 وشغّله، ويصل إنتاجه إلى 17 طناً يومياً.
تعمل اليوم في معدان ثلاثة أفران بطاقة كاملة تغطي حاجة السكان من الخبز، اثنان منها يشغّلهما التنظيم. وينقل ناشط مدني من معدان أن الأهالي يشتكون من سوء الرغيف، ويضيف «إنها مسألة تتعلق بالجانب الفني في التحضير». ويسهم مندوبون من الأفران بإيصال الخبز إلى البيوت لمشتركين لقاء أجر. ويبلغ سعر ثلاثة أرغفة 200 ليرة، أي ما يعادل 40 سنتاً أميركياً.
الصحة
حين وصل القتال إلى المنطقة في نهاية 2012 كان مشفى معدان قيد الإنشاء. وقبله لم تعرف المنطقة الشرقية على يمين النهر، من الحدود الإدارية مع دير الزور حتى مدينة الرقة، أي مشفى، رغم أن عدد سكانها كان قد تجاوز 100 ألف نسمة، بحسب تقديرات، بينما توجد فيها مراكز صحية، في بلدة معدان أحدها. ومنذ تسلم المجلس المحلي أمور البلدة صار فيها مشفى ميداني بسيط، زودته منظمة ميديكال ريليف Medical Relief for Syria، مع المركز، برواتب الأطباء والممرضين والأدوية.
منذ سيطرتها على المنطقة تسيّر داعش هذه المراكز عبر «ديوان الصحة»، الذي حوّل مدرسة إلى مشفى أصدر التنظيم قراره بإلزام الأطباء والممرضين بالمناوبة فيه يوماً في الأسبوع، أسوة بباقي مشافي المناطق التي يسيطر عليها، وذلك بعد التسرب المستمر للكوادر الطبية. وبحسب أحد أطباء معدان، فإن المشفى إسعافي، ولا يستطيع إجراء عمليات جراحية نوعية أو معقدة، لكنه يحوي جهاز تصوير شعاعي ومخبراً للتحليل وجهاز إيكو وجهاز غسيل كلى وجهاز تخطيط قلب، ويوفر المعالجة الفيزيائية، وفيه عيادات داخلية وأطفال ونسائية. لكن العيادة الأخيرة لا تعمل إلا بصعوبة، بحسب ما ينقل الأهالي، بسبب القيود على أطباء النسائية الرجال، الذين يستشارون في الولادات من القابلة القانونية التي تتولى أمور التوليد.
لا تستثنى المراكز الصحية والمشفى من القصف. وتعد إجراءات السفر إلى خارج المنطقة للعلاج صعبة ومكلفة. ورغم نقص الأدوية ومنع عمل المنظمات العاملة في المجال الصحي، إلا أن وجود خمس عيادات خاصة وعيادتين سنيتين، إلى جانب المشفى، ساعد في تقديم خدمة أفضل نسبياً للمرضى. على أنه لا تُقدَّم لمن لديهم إصابات بالعظام إلا جبائر بسيطة، ويُلجأ إلى العلاج بالبتر في حالات الكسور المفتوحة، لعدم وجود غرفة عمليات، كما يفيد أحد الأطباء.
أسواق معدان والوضع المعاشي
يتذكر كبار السن أن سوق الخميس، الأقدم والأكبر في المنطقة، كان بالأساس ماگف (سوق ماشية) ينعقد وسط معدان كل يوم جمعة حتى بداية السبعينيات. ثم نقل مكانه بعدها إلى جنوبي البلدة، حيث يتوافد إليه من البادية الكثير من مرتاديه، إلى جانب أهالي الخط الشرقي. ومنذ بداية التسعينيات تحوّل يوم انعقاده إلى الخميس حرصاً على صلاة الجمعة. ويؤثر السوق الأسبوعي بشكل كبير على سوق معدان الدائم، الذي يقدره البعض بـ300 محل تتجاور في صفين متقابلين على جانبي طريق حلب دير الزور المار من البلدة، لعل أهمها محلات خدمة وتصليح السيارات والمحركات والمكنات الزراعية. بينما صار سوق الخميس ينشط بتداول السيارات العراقية التي يضطر أصحابها إلى بيعها فيه لمتابعة طريقهم إلى تركيا.
يتعامل مرتادو السوق بالعملة السورية أو بالعملة الصعبة أو بالعملة التي أصدرها التنظيم، الذي لفت السوق إعلامه المصور وجُباته من «ديوان الزكاة» الذين لا يستثنون أي بائع مهما كانت بضاعته بسيطة من ضرائبهم، وعاملين في مكتب الخدمات أو مكتب الرقابة والتفتيش، لمراقبة النظافة وعمليات الغش.
وبحسب ناشط مدني من معدان، «يستطيع بعض سكان البلدة الاكتفاء معاشياً من الموارد المحلية، ولكن هؤلاء نسبة قليلة». ويضيف أحد السكان أن «الوضع صعب جداً، لقلة الموارد وعدم وجود فرص عمل عدا بعض المهن الرائجة والوظائف الخدمية لدى التنظيم. الأسر التي ليس لها معيل في الخارج قد تضطر إلى التسول».
يتوجه أبناء معدان للعمل في الخارج، خاصة في لبنان والسعودية. ويعتمد ذووهم على الحوالات التي يرسلونها، بالإضافة إلى ما يحصلون عليه من «ديوان الزكاة» التابع لداعش. ويقدّر البعض أن عائلة تتألف من خمسة أفراد بحاجة إلى 75 ألف ليرة في الشهر، أي ما يعادل 150 دولاراً تقريباً. على أن عينة من أسعار المواد الأساسية تظهر الاستقرار النسبي الذي مازال يتمتع به سوق معدان:
الأسعار بالليرة السورية/ 1 كيلوغرام: (450 سكر، 200 خيار، 400 بندورة، 200 بطاطا، 100 لبن، 200 رز)، (45 سعر البيضة الواحدة).
التعليم
في عام 2012 وصل عدد المعلمين على قوائم مجمع معدان التوجيهي إلى حوالي 1000، يتوزعون على مدارس الناحية التي أصبحت مأوى للنازحين من دير الزور منتصف 2012، وطال بعضها قصف النظام، ثم أعاد المجلس افتتاحها لاستقبال الطلاب بعد أن أخرج النازحين منها. وظلت على هذه الحال حتى نهاية العام الدراسي 2014، حين أوقف «ديوان التعليم» التابع لداعش العمل بالمناهج الدراسية القديمة وسرّح المعلمين، ثم عاد وأخضعهم لدورات استتابة خاصة، ومنعهم من الاتصال بمديريات التربية التابعة للنظام، وقصر عملية التعليم تدريجياً على حفظ القرآن والحديث، وعلى مناهج شرعية خاصة به ومكرسة لتعزيز رؤيته، في الجوامع غالباً، بينما استعمل أبنية المدارس لأغراض أخرى.
الاتصالات
بالتوازي مع ذلك أكمل التنظيم إغلاق المناطق التي يسيطر عليها على سكانها وقطعهم عن العالم الخارجي. فبعد أن منع أجهزة الاستقبال الفضائي (الدشات)، ووضع الغرامات والعقوبات على المخالفين، أكمل عملية تقنين استعمال الإنترنت الفضائي بمراقبتها والإشراف المباشر عليها، بدءاً بالرخص التي يمنحها لأصحاب صالات الإنترنت وانتهاء بمراقبة الزبائن. ولم يبق اليوم في البلدة، بحسب ما ينقل ناشط مدني، سوى ثلاث صالات، إلى جانب بعض الأجهزة المرخصة لتجار وصرافين. كما خرجت الاتصالات الأرضية عن الخدمة في الفترة الأخيرة لانقطاع الكابل الرئيسي بسبب الحرب.
الانتظار واللجوء والهروب
ما زالت الطريق من معدان باتجاه دير الزور شرقاً وغرباً حتى السبخة، سالكة. وبعد تدمير جسر المغلة، في الشهر الثاني من هذا العام، لم تعد الطريق متاحة إلى الضفة المقابلة في قرية الحوس، الواقعة تحت سيطرة قسد، إلا بالسر، وعن طريق السفن النهرية التي تتراوح تكاليف الركوب فيها بين 35 ألف ليرة و500 ألفاً. ويقطع البعض النهر سباحة، كما يقول أحد من خاضوا تلك التجربة. وعدا ذلك لا تشكل المواصلات البرية عقبة كبيرة من الناحية المادية لتوافر المحروقات المحلية.
تشكل معدان اليوم محطة للعراقيين قبل أن يتابعوا طريقهم تهريباً باتجاه اعزاز، ثم إدلب فتركيا. ويستقر فيها قسم منهم ممن تقطعت بهم السبل أو يلتمسون فيها استراحة مؤقتة، وسط ترحيب أهلي، كما ينقل عراقيون. كما يلجأ إلى معدان هاربون من الطبقة والمنصورة والرقة. ويروي سكان مخيم، أقيم في معدان لخمسين عائلة، عن أهوال ما شاهدوه من ممارسات النظام وميليشياته قبل أن يهربوا من غرب الطبقة.
يعيش كل هؤلاء مع سكان معدان حالة من الاضطراب والقلق، كما يقول ناشط مدني، ليضيف آخر أنهم بسطاء، لا يبحثون إلا عن الخبز والعمل والمسكن.
سوق الخميس - من إصدارات داعش