"والسبب في ذلك الموقف الدوليّ ليس الحقد على السوريين، بل الشعارات الإسلامية التي طغت على الثورة، والتي أدّت إلى تغيرٍ كبيرٍ وجذريٍّ في الموقف العالميّ من الثورة السورية، لدرجة أنهم جميعاً أصبحوا يفضّلون بقاء الأسد على سقوطه بيد الجهاديين".
هكذا هو قدر شــعبنا الســــوريّ العظيم. أن يُبتلى بمقاومــــين ممانعـــــين منّاعيين، من اشتراكيين مزعومين و"يسارٍ" إسلاميٍّ شيعيٍّ وحثالاتٍ قومجيةٍ ما زالت تصرخ (من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر/ وصية عبد الناصر)، وهي غير قادرةٍ على إدماج بقايا خلاياها الحزبية، ولا على توحيد دوما مع حرستا. يلاحقون الإمبرياليين شارعاً شارعاً، ويكسرون حلقات المؤامرة في مخيم تل الزعتر 1976، وفي مدينة حماة "الرجعية" 1982، ويقلّمون أظافر "العملاء" في درعا 2011 قبل أن تطول، ويُصَفّون الحساب مع خالد بن الوليد؛ قبل أن يتحوّلوا إلى ليبراليين مسوخٍ وجدوا الوصفة أخيراً.
الموقف الدوليّ من ثورة الشعب السوريّ ليس سببه الحقد على السوريين إذاً، بل الشعارات الإسلامية التي طغت على الثورة! وربما أيضاً النوايا السيئة تجاه إسرائيل، أليس كذلك؟!
لا يمكن فهم الموقف الدوليّ من الثورة السورية بمعزلٍ عن ثورات الربيع العربيّ، وعن مصالح الدول الكبرى القائمة على الاستئثار بمنابع الحضارة والتقدّم، وإبعاد الآخرين عنها ما أمكن. عندما بدأ الطوفان الجماهيريّ في تونس ومصر وليبيا واليمن ومن ثم في سوريا، تعاملت الدول الغربية مع هذا الأمر بصفته واقعاً لا يمكن إلغاؤه، ولكن يمكن احتواؤه ثم إعادة صياغته وإنتاج نسخةٍ "مباركيةٍ صالحية" أو "قذافيةٍ أسدية" جديدة - وهذا ما حصل في مصر، وجزئياً في اليمن - تتماشى مع المصالح الغربية وأيضاً الإسرائيلية (انتهى الفيلم وكل واحد يشوف شغله يا شباب). ولكن الوضع في سوريا كان مختلفاً، إذ لم يكن بالإمكان إنتاج نسخةٍ أسديةٍ معدّلةٍ في نظام "الأسد أو نحرق البلد". ليحترق البلد، ولتحترق سوريا الشعب والتاريخ والوطن. سوريا ماري وتدمر وأوغاريت ودمشق وحلب ليست هوىً غربياً أو أسدياً إيرانياً فارسياً، ولا إسرائيلياً روسياً، ولا سيسياً بوتفليقياً. إنها كابوسهم. إذاً ليحترق البلد. وفي الحريق يبحث الجميع عن مصلحته. الأسديون يراهنون على الزمن. الإيرانيون يمارسون لعبة المماطة والتذاكي والخداع بانتظار لحظةٍ مناسبةٍ (ميدانيةٍ أو سياسيةٍ) لدولةٍ كسرويةٍ بغطاءٍ دينيٍّ تشمل، عدا عن إيران، العراق وسوريا ولبنان، وتحيط بدول الخليج العربي (المفخخة إيرانياً)، مع تحالفٍ إستراتيجيٍّ مع روسيا يستجيب لمصالح الأخيرة. أما الغربيون فينتظرون آخر ربع ساعة، بعد أن يكون الشعب السوريّ قد أُنهِك و"تأدّب" في آنٍ واحد، ليتدخلوا ويطفئوا الحريق. حينها سيكون الإيرانيون قد استُنزِفوا، والسوريون، وربما جزئياً اللبنانيون، قد احترقوا، والعراقيون قد تفتتوا في صراعاتهم الداخلية. وهناك دوماً من سيكون جاهزاً من النخب السياسية والثقافية لتقديم فروض الولاء والطاعة للسيد الجديد، لكن دون حتى أن يحلم بيابانٍ جديدة، بل سيعمل على إعادة إنتاج دورة التخلف والاستبعاد، ليس فقط للسوريين، بل للعرب والأكراد ومعهم إيران أيضاً، من التاريخ والحضارة، وتحويلهم إلى ماسحي أحذيةٍ للسادة "المتحضرين"، مع بقاء إسرائيل الحليف الأكثر موثوقيةً في هذه البقعة من العالم.
يستكثر "الكماليون" على شعبٍ توزّع بين قتيلٍ ومقعدٍ وشريد، ومقاتلٍ بإمكاناتٍ بسيطةٍ يتصدّى لحثالاتٍ جاءت من شتى بقاع الأرض، يستكثرون عليه أن يرفع شعاراتٍ إسلامية (يراها الشعبانيون النُزَّه أكثر تخلفاً من برنامج النظام)، وكأن على هذا الشعب الصابر فقط أن يطمئن العالم بمدنيته ويصرخ: ديمقراطية، مدنية، نحن مع حقوق الأقليات الكريمة، عـلمانية، لبوانية. وحينها ستصبح النار برداً وسلاماً على السوريين!
يعرف السوريون الأباة جلاديهم الممانعين (قديمهم وجديدهم) جيداً. وهم واقعيون وأذكياء جداً عندما صرخوا "الموت ولا المذلة" و"أمريكا.. ألم يشبع حقدك من دمائنا؟".