هرابش

مدخل حي هرابش

ابتداءً من ستينات القرن الماضي، نشأ حي هرابش ببطء، في طرف مدينة دير الزور الشرقيّ. وخلال الثورة، ورغم الأحداث العنيفة التي شهدتها المدينة، حافظ هذا الحيّ على هدوئه.

بصعوبةٍ تعثر الذاكرة على شيءٍ تقوله عن هرابش، فليس في هذا الحيّ الكثير من المزايا، سوى بقايا صورٍ من قبل الثورة، عن شارعٍ عريضٍ باتجاهين، ومتاجر تعرض بضائعها على الرصيف، وزبائن من ركاب الحافلات المتجهة الى الريف الشرقيّ. نشاط بيعٍ يعتبره سكان هرابش عهد ازدهار، وقد ولّى اليوم بسبب الحرب التي تحيط بهم من كل الجهات، شرقاً على أسوار المطار القريب، وغرباً في أحياء الصناعة والرصافة. لكن لا بأس، الحمد لله منطقتنا هادئة، وكل شيء من خبز وكهرباء ووقود متوفر؛ يقول القاطن في هرابش لنفسه حين يسمع عن الأهوال في باقي المناطق. ويقول أيضاً إن عناصر قوّات النظام التي تسيطر على الحي مؤدبون، وإن هناك أوامر مشدّدةً بأن يكونوا كذلك. فهو يعتبر حالات التعاطف أو عدم الأذى التي يبديها بعض المجندين الأسديين أحياناً أدباً وأوامر مشدّدة، لكن الأمر هو محض إشفاقٍ قد يظهر في حالاتٍ قليلةٍ حين يتذكر جنديٌّ من الساحل أباه كلما شاهد كهلاً في عمره يذهب صباح كل يومٍ ببذلةٍ عسكريةٍ إلى مكان عمله. هناك نسبةُ لا بأس بها من سكان هرابش متطوّعون بوظائف عسكرية، مثل الإشارة والمشفى العسكريّ والهندسة العسكرية وغير ذلك من الإدارات التابعة لجيش الأسد.

لم يعتب أحدٌ على هرابش!

في أيام المظاهرات الكبرى مطلع الثورة في دير الــــزور، كانت في مــــعظم الأحياء شخصياتٌ محليةٌ بارزةٌ تقود هذه المظاهرات من مناطقها نحو الساحات الرئيسية، إلا هرابش، إذ يذوب شبانها في الحشود القادمة من حيّ المطار القديم. واللافت أن ذلك لم يؤخذ على الهرابشيين! ولم يسألوا أين مظاهراتكم؟ ولماذا صمدت صور الأسد على حيطان مدارسكم؟ وحتى الآن، لا تثير إجابة "في هرابش" أيّ انطباعٍ لدى عنصر الجيش الحرّ على الحاجز حين يسأل راكب سيارةٍ عابرةٍ "أين تسكن؟". وفي التشكيلات المقاتلة قد يعثر على شابٍّ هرابشيٍّ يقيم أهله هناك، وقد يكون أبوه ما زال على رأس عمله متطوعاً عسكرياً في واحدةٍ من القطعات الهامشية لجيش الأسد. وقد يفسّر المقاتل الشاب هذا التناقض في موقف أفراد الأسرة من الثورة بالقول: "حرام ينشقّ، باقي له سنة ويطلع تقاعد". وعلى الطرف الآخر يضمن الأب النتيجة إن حسمت لأيّ الفريقين، فهو مع النظام إن انتصر لأنه عسكريّ، ومع الثورة إن انتصرت لأن ابنه في الجيش الحرّ. يتبادل الهرابشيون بين بعضهم حماسهم السريّ للهجمات الناجحة التي يشنها الثوّار، ولا يخفون أيضاً احترامهم لقوة عصام زهر الدين، وقبله لذكاء جامع جامع، الذي أمر ذات يومٍ، حين فقد الوقود في الشتاء، ببذله رخيصاً لهم.
في كلّ الأحــوال، ليــست الثــــورة لــسكان هرابش إلا حــدثاً درامــياً طــويلاً وكثير الحلقات وهم متفرجون.