- الرئيسية
- مقالات
- ترجمة
من السجال اليساري العالمي حول سورية:كيف يمكن لكم أن تبرروا ما لا يمكن تبريره؟!
جوليان سالينج
موقع Socialist Worker الأميركي/ 4 كانون الثاني
ترجمة مأمون الحلبي
بعد المجازر التي قام بها نظام بشار الأسد وحليفاه، روسيا وإيران، في حلب؛ يكتب جوليان سالينج، العضو في حزب فرنسا الجديد المعادي للرأسمالية، رداً على اليساريين الذين رفضوا إدانة المذبحة ورفضوا تأييد المقاومة ضدها.
أيها «الرفاق»
منذ أسابيع وأنا أقول لنفسي إني سأكتب لكم. وكانت الأحداث المأساوية في حلب وردة فعلكم عليها، وأحياناً غياب ردة فعلكم، هي ما أقنعني أنه قد آن الأوان لأخاطبكم. ليس بالضرورة بهدف إقناعكم، فأنا أعتقد أنه قد فات الأوان لسوء الحظ، لكن بهذه الطريقة ستكونون قد حُذِّرتم ولن تستطيعوا الادعاء بأنكم لم تكونوا تعرفون.
باسم معاداة الامبريالية؟
كانت حلب ضحية مجزرة حقيقية لا يمكن للمرء إلا أن يقارنها بمدن شهيدة أخرى مثل سريبرينيتسا وغروزني والفلوجة ووارسو وغيرنيكا، أو مخيّمَي صبرا وشاتيلا. الشهادات المباشرة من المدينة، الصادرة عن سوريين عاديين وليس فقط عن أفراد الجماعات المسلحة، مُعبّرة. كلمات وصور تحكي عن الكارثة والعجز والرعب. لكنكم، أيها «الرفاق»، بذلتم قصارى جهدكم لتشرحوا أن علينا ألا ننشغل بسكان حلب، وأن لا ضرورة لشجب القصف الذي هم ضحاياه، ولا لشجب الانتهاكات التي يرتكبها الجنود أثناء «تحرير» المدينة.
إن كنت أخاطبكم بأيها «الرفاق» فذلك لأننا كنا شركاء في معارك كثيرة، خصوصاً في الكفاح من أجل حقوق الشعب الفلسطيني، ولأنني كنت أعتقد أنه، بالرغم من خلافاتنا، لدينا مبادئ مشتركة. في الحقيقة، لا شيء لديّ أقوله لليمين واليمين المتطرف المناصر لبوتين و/أو للأسد. فهم واضحون في دعمهم للأنظمة الاستبدادية باسم قيم مشتركة بينهم، ولن يقدموا أنفسهم أبداً على أنهم يريدون بناء تضامن حقيقي مع المضطهدين. لكنكم أنتم، أيها «الرفاق»، تنسبون إلى أنفسكم فضائل «تقدميّة ومعادية للإمبريالية» و«اشتراكية» وحتى «ثورية». وباسم هذه الفضائل تحاولون إقناعنا أن علينا حالياً ألا نكون في صف أهالي حلب المحاصرين والمذبوحين، وغداً علينا ألا نكون مع بقية المدن المحاصرة حينها، والذبيحة لاحقاً.
ما أراه هو أن ما كان يشكل جوهر الإرث المشترك لليسار المعادي للإمبريالية هو الوقوف في صف الشعوب التي تسحقها الدول الإمبريالية وحلفاؤها. وانطلاقاً من هذا الإرث لم نكن نساوم على التضامن الأممي. وكنت آمل أنه، بالرغم من مواقفكم بخصوص المأساة السورية، فإن استشهاد مدينة حلب سيعيدكم إلى جادة الصواب. لكن لا. أنتم عنيدون. إنكم تثابرون على محاولة شرح أن «الأمور ليست بهذه البساطة»، وأنه في هذه الحرب لا يوجد «أشخاص طيبون في طرف وأشرار في الطرف الآخر»، وأن علينا أن نبقى هادئين وألا نستسلم لما هو سهل. وتقترحون علينا تحليلاً معقداً ومنمقاً يأخذ المنحى التالي: «كلا، الأسد ليس ديمقراطياً، والبلدان التي تسانده ليست نماذج تحتذى أيضاً. لكن انتبهوا: ما يسمى بالتمرد السوري مكون بأغلبه من قوى تتحدر من الإسلام الأصولي، وحتى الجهادي، وهي قوى تتحكم بها وتسلحها أنظمة رجعية كالسعودية وقطر وتركيا، وحتى الدول الراعية للدول الأخيرة، ولا سيما أميركا وفرنسا».
إنكم تنسون الشعب السوري
أول مشكلة في تحليلكم هذا هو أنكم تنسون فاعلاً أساسياً: الشعب السوري، وتنسون أن نقطة انطلاق الأحداث في سوريا ليست تدخل أي من تلك الدول، ولا حتى التدخل الروسي. نقطة انطلاق كل ذلك هو أن مئات آلاف السوريين والسوريات هبوا، في آذار 2011، ضد نظام دكتاتوري وحشي، كما فعل أشقاؤهم في تونس ومصر وليبيا. ولو لم يقرر الأسد وشبيحته قمع الثورة بشكل وحشي لكان قد سقط أيضاً تحت الضغط الشعبي. إننا نتكلم عن سنة 2011، عندما أثارت الثورات الأخرى في المنطقة حماسكم. «الشعب يريد إسقاط النظام»، أتذكرون؟ من المحتمل أنكم حتى قد هتفتم هذا الهتاف في شوارع مدينة فرنسية ما، أنتم، المغرمون بالحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية. في سوريا هُتِفَ هذا الهتاف إلى جانب نفس المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي هُتِفَ بها في بلدان المنطقة الأخرى التي تأثرت بالثورة، ولم تكن للرياض والدوحة وباريس وواشنطن علاقة بكل هذا. وإذا كنتم مهتمين بالمسألة السورية إلى هذه الدرجة فلا بد أنكم تعرفون بأنه في كل مرة حصلت فيها هدنة كانت المظاهرات تعود، وتعرفون أنه لولا تدخل إيران ثم روسيا لكان النظام قد سقط تحت ضغط الشعب، وليس تحت ضغط بضعة آلاف من «المقاتلين الأجانب» وصلوا بعد وقت طويل من قتل النظام آلاف السوريين العزّل وإخراجه مئات الجهاديين من السجن. تكمن جذور «الأزمة» السورية في الاحتجاج الشعبي ضد عائلة، وردّ هذه العائلة على هذا الاحتجاج بتدمير كل شيء.
راجمة صواريخ مقابل سلاح الطيران
المشكلة الثانية في تحليلكم هي أنكم تساوون بين الدعم الروسي والإيراني للنظام وبين الدعم المقدم من أميركا وفرنسا وتركيا ودول الخليج لقوات المعارضة السورية. إنكم تحاولون جعلنا نصدق أنه لا يوجد تفوق عسكري كاسح للنظام وحلفائه، وأن «للأسد الحق في الدفاع عن نفسه». لكن أتجرؤون حقاً أن تقارنوا بين آلاف «المستشارين العسكريين» الإيرانيين وآلاف مقاتلي حزب الله والقوة الجوية الروسية، الذين يدعمون دولة وجيشاً نظامياً، وبين أسلحة صغيرة وراجمات صواريخ مقدمة أو ممولة من دول الخليج وتركيا، وأسلحة صغيرة وراجمات صواريخ وبضعة أسلحة مضادة للدبابات وأنظمة اتصالات وأجهزة رؤية ليلية مقدمة، بالقطارة، من أميركا وفرنسا؟
أتعرفون أن ما كانت قوى المعارضة تطلبه منذ البداية هو صواريخ مضادة للطائرات للدفاع عن نفسها، وأن أميركا هي من تمنع بشكل ممنهج تسليمهم هكذا أسلحة؟ أتذكرون أنه في أيار الماضي قامت السفارة الروسية في بريطانيا ببث صور على تويتر مأخوذة من لعبة فيديو [!] لتبرهن أن قوات المعارضة كانت تتلقى أسلحة كيميائية؟ لذا، دام فضلكم، لنكن جديين!
من الذي يدمر سوريا؟
المشكلة الثالثة في تحليلكم أنكم تنسون عنصراً أساسياً: الوقائع. فقط افتحوا أعينكم واسألوا أنفسكم هذا السؤال البسيط: كيف دُمّرت سوريا؟ عندما تعلقون على صور المدن المدمرة بالقول إنه يوجد «عنف من كلا الطرفين» فإنكم تخفون تفصيلاً: من الذي يملك الأسلحة الضرورية للتسبب في دمار بهذا الحجم؟ من يستطيع تنفيذ عمليات قصف؟ أين طائرات المعارضة؟ أين دباباتها؟ مخبأة تحت الأرض، مثل جيش صدام حسين الخارق الذي كان يهدد العالم بأسره؟ كم طائرة أسقطتها طائرات المعارضة؟
تعترضون بأن «التحالف» بقيادة أمريكا يتدخل عسكرياً. لكن هل بإمكانكم أن تعطوني قائمة بعلميات قصف التحالف لقوات الأسد أو القوات المساندة له؟ لا تضيّعوا وقتكم بالبحث. فوفقاً لنظام دمشق ووسائل إعلامه حدث هذا الأمر مرتين؛ الأولى في كانون الأول 2015، في دير الزور، وقد أنكر التحالف أنه استهدف الجيش السوري وادّعى أنه قصف داعش، والثانية في أيلول 2016، قرب مطار دير الزور، وفي هذه المرة اعترف التحالف بقصفه مواقع النظام واعتذر رسميّاً للأسد ولبوتين. باختصار، التحالف الذي يدّعي القيام بحوالي خمسة آلاف «ضربة» في سوريا استهدف نظام الأسد مرتين منذ بدء حملة القصف عام 2014. لذا، من فضلكم، سجّلوا في دفاتركم: «العمليات العسكرية الحقيقية التي نفذها التحالف استهدفت داعش وجماعات جهادية أخرى، لا الأسد وحلفاءه».
أخيراً، بعض الملاحظات «الوقائية»
- قبل أن تقولوا لي إني أدافع عن نفس مواقف أميركا وفرنسا والسعودية وقطر وبرنارد ليفي أو غيرهم، تذكروا أنكم تدافعون عن نفس مواقف روسيا وإيران والسيسي ومارين لوبين.
- قبل أن تقولوا لي إن اسرائيل قصفت مواقع لنظام الأسد خمس عشرة مرة منذ 2011، تذكروا أن بوتين صرّح: «أثرنا، نحن والاسرائيليين، الحاجة إلى جهود مشتركة لمحاربة الإرهاب العالمي. على هذا الصعيد، نحن حلفاء».
- قبل أن تقولوا لي إن المتمردين السوريين لجأوا إلى الدول الغربية طلباً للمساعدة العسكرية، تذكروا أن القوات الكردية التي تعجبون بها بالغ الإعجاب فعلت الأمر ذاته، وقد نالت هذا الدعم وشكرت الولايات المتحدة علناً على ذلك.
- قبل أن تقولوا لي إن المتمردين «حلفاء موضوعيون» لداعش، تذكروا أن الذين يذبحهم الأسد الآن هم من طردوا داعش من حلب في بداية 2014.
هذا، أيها «الرفاق»، ما أردت قوله لكم. اللهجة ليست سارّة، أجل، لكنها ليست سيئة إلى تلك الدرجة مقارنة باللامبالاة، وحتى أحياناً الاحتقار الذي تبدونه نحو استشهاد حلب.
أترككم مع تشي غيفارا، فلديه ما يقوله لكم: «قبل كل شيء، حاولوا دائماً أن تكونوا قادرين على الشعور بعمق أي مظلمة ترتكب ضد أي شخص في أي جزء من العالم. إنها أجمل خصلة لإنسان ثوري».