خاص عين المدينة
يرتدي محمد علاوي سترته الفوسفورية الصفراء صباح كل يوم، ويخرج إلى عمله الذي لا يشبه عمل أحد في سوريا كلها، فهو ناشط متفرغ لحماية البيئة في محافظة ديرالزور, وهو نشاط فريد من نوعه, كان علاوي أول من تنبه لأهميتهِ .
كان علاوي موظفاً في شركة الفرات للنفط, ويملك محل للتصوير الفوتوغرافي بمدينة ديرالزور, داهمته قوات الأمن في بداية الثورة وحطمت محتوياته, بعد أن ضربته وهو ذو الـ 45 عاماً ضرباً مبرحاً أدمى وجهه وأمام فتياته الصغيرات, ولم تدفعه هذه الوحشية إلى تغيير موقفه نحو النظام, بل عززت من قناعاته الثورية.
مع تحرير الجيش الحر لأجزاء كبيرة من محافظة ديرالزور, والتي تحوي مواقع نفطية كثيرة, تنبه علاوي لمشكلة خطيرة تلوح في الأفق, وهي الانفلات الحاصل في استجرار البترول الخام وتكريره, ويعتبر ذلك ضريبة من ضرائب الحرية, وفاتورة جانبية تدفعها البلاد للخلاص من هذا النظام الفاسد, ولا يعني هذا كما يقول علاوي الوقوف على الحياد أمام هذه الظاهرة الخطيرة, ولم يقف الصياد كما يلقبه الأهالي في مسقط رأسه قرية «الدحلة» الصغيرة على الحياد, بل خرج ومنذ تحرير أول بئر نفط من النظام ليكون داعية للحفاظ على البيئة ومناصراً أولا لها في البلاد .
يقول محمد علاوي لعين المدينة:
«منذ عام تقريباً, وعندما بدأت عمليات التحرير للمناطق التي تحوي آبار النفط, ظهرت حالة من الفوضى التي تضرب المجتمع, وحين بدأ بعض الناس وبدافع من الطمع يمتهنون التعامل بالنفط الخام بجمعه وتكريره وبيعه, أدركتُ خطورة هذه القضية, وكارثية هذا العمل على الناس وذلك بحكم عملي الأساسي في قطاع النفط».
والآن ومنذ أشهر يتنقل الرجل البيئي ميسور الحال بين القرى والبلدات, مرتدياً قميصه الأصفر ومعرفاً عن نفسه ببطاقة اسمية على صدره بالناشط البيئي, ويقف على الطرقات في ساعات البرد وفي الحر ليوقف سيارات النفط, ويبرز لسائقيها صوراً كبيرة ومناشير من تصميمه هو, ويشرح لهم خطورة ما يقومون به على أنفسهم أولا وعلى البيئة والناس ثانياً.
كذلك يقوم علاوي بجولات شجاعة إلى مواقع الاستجرار والتكرير, ببذلة خاصة يشبهها النفطيون العشوائيون ببذلة رائد الفضاء, وهي بذلة تنقيب خاصة يرتديها عمال النفط عند اقترابهم من بعض النقاط الخطرة أو المشعة في الحقول, ويدخل علاوي في جدالات طويلة مع هؤلاء, حول خطورة عملهم وآثاره السيئة, جدالاً يشبه العظات الميدانية مرة ويقترب من الشجِار في مرات أخرى.
أقام علاوي جلسات وسهرات بيئية في 40 نقطة في المحافظة, حضرها وفي كل مرة مئات الأشخاص, ويبدو الرجل متفائلاً بثمار عمله وكما يقول «لو استجاب لدعوتي في كل مرة أربعة أشخاص من الحاضرين فقط, لكنت سعيداً جداً وراضياً عن عملي»، ويحمل علاوي في دعواته العامة تلك صوراً وأفلاماً خاصة التقطها بكاميرته وهو المصور والصياد ( يضحك علاوي ) المحترف الذي يقتنص الصور لورشات البترول العشوائية, بغفلة من عمالها أحيانا وبرضاهم في أحيان أخرى. ولا تقتصر محاضراته على موضوع النفط فقط, بل يتوقف وفي مرات عدة عند مبدأ الملكية العامة، وضرورة الحفاظ على المؤسسات وجميع المنشآت التي يملكها الشعب السوري ولا تملكها عائلة الأسد.
أقام علاوي بمساعدة بناته الصغيرات متحفاً منزلياً صغيراً, يوثق نشاطاته الدعوية في مجال البيئة, ويؤكد أن فكرة المتحف هي من اقتراح الصغيرات, وأنهن يشابهن أباهن في حب البيئة والدفاع عنها.
وفي بطاقة تعريف بطل البيئة المحلي التي يعلقها في أعماله اليومية على صدره تبرز عبارة مختصرة: «محمد علاوي ناشط بيئي».