ماذا يحدث في جنوب دمشق؟

 بيان مزعل: أبو عمر

ماذا يحدث في جنوب دمشق؟

الخيانة وسقوط السبينة بيد قوات الأسد

يرجع معظم التقدّم الذي يحرزه الجيش الأسدي إلى أخطاء أو خيانات. وقد أثار سقوط كلٍّ من السبينة الصغرى والسبينة الكبرى، في المنطقة الجنوبية من دمشق، بيد قوات النظام، الكثير من الأسئلة، وخاصةً مع السرعة والسهولة النسبية التي تمّت بها هذه العملية. فلم يكن الحصار الطويل الممتدّ لتسعة أشهر هو سبب الهزيمة، بل هناك مع الأسف سببٌ آخر أهم وأخطر، هو الخيانة والاختراق الأمني الكبير للنظام في صفوف الثوّار.

"بيان مزعل"، المعروف بأبو عمر بيان، هو زعيم الجواسيس وقائد الخلية الأمنيّة المزروعة، منذ وقتٍ طويلٍ، في صفوف الثوّار. فقبل سنتين ظهر أبو عمر بيان في الحجر الأسود ـ هذه المنطقة التي كانت الحاضن الأول والنواة الأساسيّة للجيش الحرّ في جنوب دمشق ـ كمنشقًّ عن المخابرات العسكرية. ثم التحق بكتيبة جند الله حديثة التشكيل، ليصبح قائداً لها خلال مدّةٍ وجيزة. ومع دخول الجيش الحرّ إلى مخيّم اليرموك، وتحريره من قوات الأسد، تمركزت هذه الكتيبة على مدخل المخيم. ولاحقاً عمل أبو عمر بيان ـ مع بعض القادة ـ على تشكيل ما يسمى الفرقة الرابعة. وكان بعض هؤلاء القادة مخبرين وعملاء للنظام أيضاً، وبعضهم خدعوا بهذا الشخص.

 

الفتنة مع الفلسطينيين

أبو النور دريد - كابتيكول قائد ما يسمى لواء أسود التوحيد، المختص بسرقة المعامل وترويج حبوب الهلوسة.

أبو النور دريد - كابتيكول
قائد ما يسمى لواء أسود التوحيد،
المختص بسرقة المعامل وترويج حبوب الهلوسة.

عمل بيان مزعل مع مجموعته على بثّ الأخبار الكاذبة والشائعات التي تتحدث عن خيانة الفلسطينيين المقيمين في جنوب دمشق وولائهم لنظام الأسد. ودفع بأتباعه لاستباحة بيوت هؤلاء وسرقة ممتلكاتهم. كما قام باعتقال العشرات منهم وتعذيبهم في مقرٍّ خاصٍّ يشبه الفرع الأمني في منطقة الحجر الأسود. كلّ ذلك لخلق الفتنة والشك في صفوف السكان والمقاتلين من فلسطينيين وسوريين نازحين من الجولان ـ أو النازحين، كما يعرفون عادةً ـ ويشكّل الفلسطينيون والنازحون المكوّنين الأكبر لسكان المنطقة الجنوبية من دمشق.
وقد نجح بيان ومجموعته في زرع التناحر والكراهية بين صفوف الطرفين، كلّ ذلك لإعطاء المبرّر للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة، للقتال إلى جانب النظام بحجة الدفاع عن الفلسطينيين. وكذلك عمل بيان على تشويه سمعة الكثير من المقاتلين البارزين واتهامهم بأفعال شائنة، والإيقاع بهم واعتقالهم في بعض المرات، وقام بتسليم بعضهم إلى مخابرات النظام في مرّاتٍ أخرى. وبعد أن تطورت أعمال بيان وأتباعه أسهم في تشكيل ما يسمى بالفرقة الرابعة في جنوب دمشق، التي أخذت مواقعها في كلٍّ من مناطق الذيابية ـ الحسينية ـ البهدلية ـ السبينة الصغرى ـ السبينة الكبرى ـ غزال. ومن هذه المناطق جاءت عمليات الاقتحام وتقدم جيش الأسد، إذ سقطت تباعاً مخلّفةً، وفي كل مرّةٍ، كارثة جديدة، كما حصل عند تسليم الذيابية والحسينية، عندما قامت ميليشيات أبو الفضل العباس العراقية بحرق أكثر من 200 مدنيٍّ وهم أحياء.

وتُضـــاف إلى الخيانـــة عمليـــــات السلب والنهب التي قامت بها عصابة أبو عمر بيان، إذ سُرقت معامل السبينة وأُخرجت من المنطقة، بالتعاون مع حاجز قوات الأسد القريب. وكذلك ترويج حبوب الهلوسة (الكابتيكول) التي كانت توزَّع مجاناً وبكمياتٍ كبيرة. وارتبطت هذه الحبوب بشخصيةٍ أخرى هي "أبو النور دريد" أو "أبو النور كابتيكول" ـ واسمه الحقيقي فايز دريد، من حيّ القدم ـ وهو قائد ما يسمّى كتيبة أسود التوحيد، التي انسحبت من منطقة السبينة مع بداية اقتحام قوات النظام لها، وقامت أيضاً بتسريب المعلومات عن كمينٍ نصبه

أبو هارون عميل متطوع في أمن الدولة، وقائد ما يسمى كتيبة سيوف الجولان، المختصة بسرقة الممتلكات.

أبو هارون
عميل متطوع في أمن الدولة،
وقائد ما يسمى كتيبة سيوف الجولان،
المختصة بسرقة الممتلكات.

بعض الثوار الشرفاء في دفاعهم عن المنطقة يوم الاقتحام.

 

الفضيحة وانكشاف السر

بدأت الشكوك تحوم حول بيان ومجموعته مع تزايد عمليات السلب والنهب وانتشار حبوب الهلوسة، وكذلك اختطاف الناشطين والمقاتلين وتسليم بعضهم لقوّات النظام، إلى أن عثرت إحدى مجموعات الجيش الحرّ المرابطة على خط الجبهة، من جهة مخيم اليرموك، على مقاتلٍ مقيّدٍ ومكمّم الفم ومرميٍّ على تلةٍ قريبةٍ جداً من مواقع النظام. وبعد إنقاذه تحدث هذا المقاتل عن اعتقاله من قبل مجموعةٍ تابعةٍ لـ "بيان"، وتعذيبه، ومن ثم تقييده ورميه على التلة ليتم اعتقاله لاحقاً من قبل قوات النظام القريبة، بتنسيقٍ أمنيٍّ بين بيان وجهاز المخابرات العسكرية. وعند ذلك تأكدت الشبهات حول هذا الرجل وأتباعه وجرت ملاحقته، فتمكن أبو عمر بيان من الهرب عبر حاجز السبينة التابع لجيش الأسد، ليعود مرةً أخرى، وبعد أيامٍ قليلة، كواحدٍ من قادة عملية اقتحام مناطق السبينة الصغرى والكبرى وغزال.

 

ملاحقة العصابة

قامت كتائب الرابطة الإسلامية بملاحقة أتباع بيان، وداهمت كل المقرّات التابعة له، وعثرت على آلاف الحبوب المخدرة، وعلى معدّات اغتيالٍ وخطفٍ مثل

أبو فهد ميّازة (يسار): قائد ما يسمى كتيبة صقور الجولان، ومشهور بعمليات التعذيب. أبو كفاح الحلبي (يمين): مسؤول عن الخطف والتسليم لمخابرات النظام.

أبو فهد ميّازة (يسار): قائد ما يسمى كتيبة صقور الجولان، ومشهور بعمليات التعذيب.
أبو كفاح الحلبي (يمين): مسؤول عن الخطف والتسليم لمخابرات النظام.

المسدسات كاتمة الصوت والسموم القاتلة. وكذلك عثرت على ذخائر بكميّاتٍ كبيرةٍ كانت مخزّنةً لوقتٍ طويل، دون أن تستخدم، ولو لمرةٍ واحدة، في المعارك ضد قوات الأسد. وتم إلقاء القبض على أكثر من مئة عنصر من أتباع بيان، بينهم بعض قادته وبعض المسؤولين عن

عمليات الخطف والقتل وترويج المخدرات، واعترف بعضهم بعلاقاته مع جهاز المخابرات الأسدية. ويتم الآن التحقيق معهم، وسيقدّم من يتّهم منهم إلى المحاكمة قريباً.