ألكساندر ستاريت
الغارديان/ 14 كانون الأول
ترجمة مأمون حلبي
في حين نقوم بقصف تنظيم الدولة الإسلامية، ويدافع بوريس جونسون علناً عن دعم الأسد من أجل الاستقرار، نتجاهل الناس الذين يديرون في هذا الوقت الشكل الوحيد لسوريا الذي ليس شكلاً ديكتاتورياً، ولا خلافةً إجرامية، ويُمثّل ردّاً على كليهما.
في "المناطق المحرّرة"، الواقعة تحت سيطرةٍ هشّةٍ للمعارضة المعتدلة، لم يكن ثمّة وجودٌ، عملياً، لحكومةٍ مركزيةٍ منذ الثورة التي اندلعت قبل أكثر من أربع سنواتٍ خلت. في هذا الفراغ ظهرت المجالس المحليّة على مستوى القاعدة الشعبية، مقدّمةً خدماتٍ عامةً أساسيةً كالماء والكهرباء والتعليم والرعاية الصحيّة. في هذا العام انتُخِبَ كلّ مجلس محافظةٍ في هذه الشبكة بطريقةٍ ديمقراطية (رغم وجود بعض العيوب والتناقضات). وحقيقة أن هذا الأمر قد حدث في بلدٍ يفتقر إلى تقليدٍ ديمقراطيٍّ حيٍّ، ويحكمه حزب البعث منذ عام 1963، هي أمرٌ لافتٌ ومدهش. وسط الحرب تحاول المعارضة المعتدلة أن تبني دولةً انطلاقاً من القاعدة، معتبرةً نفسها واضعة الأساسات التي يمكن للسوريين ذات يومٍ أن يشيدوا عليها حكومةً مسؤولةً أمام الشعب. وعملها يعني أن المعركة من أجل سوريا ليست منازلةً بين الأسد وداعش كما نفكر في الغرب.
وبالرغم من أنّ وزارة الخارجية الأمريكية خصّصت للمعارضة بالأمس القريب 100 مليون دولارٍ إلا أنّ وضع هذه المجالس، دون مبالغةٍ، يبقى عصيباً. يتعلق جزءٌ من المشكلة بمسألة إيصال النقود، لأنّ المصارف غير مرتاحةٍ لفتح حساباتٍ جديدة، ووزارة الخارجية تخشى -وهو أمرٌ مفهومٌ- أن تنتهي أكياس المال في أيدي أعدائها. من الوارد، إلى حدٍّ كبيرٍ، أن نتصوّر الدعم من زاوية المساعدات الإنسانية، ومع أنّ هذا الأمر مسألة حياةٍ أو موت، إلا أن المعارضة المعتدلة هي بالتأكيد من يتوجّب علينا أن نقوّيه إن أُريد لسوريا أن تصبح بلداً قابلاً للحياة من جديد. وهذا أمرٌ حاسم، لأنه بعد أربع سنواتٍ من البؤس والفوضى يريد الناس ببساطةٍ أن يذهبوا إلى أيّ مكانٍ تكون الأمور فيه مستقرّةً وأطفالهم يستطيعون ارتياد المدرسة، كما قال لي عضو مجلسٍ محليّ: "يذهب المرء إلى أيّ مكانٍ يجد فيه ملاذاً آمناً". يتمثل أحد الحلول في الفرار من البلاد. لكن، كما أكد تقريرٌ نُشر في الغارديان، حتى تنظيم داعش يحاول أن يبني بديلاً مقبولاً لدى الناس؛ دولة تؤدي وظائفها وتمتلك "كوادر إدارية". وبوصفنا لداعش على أنها طائفةٌ مغلقةٌ ومتعصّبةٌ فقط فإننا نقلل من مقدار جدِّيتها. ففي الرقة لدى داعش "مكتب حماية المستهلك"، ويُقال إنها قد بنت معملاً لإنتاج البوظة كجزءٍ من خطةٍ تبغي خلق فرص عمل.
في الصراع من أجل الشرعيّة يتمّ انتقاء المجالس المحليّة من قِبل كلٍّ من داعش والأسد كهدفٍ للهجمات. أخبرني مسؤولٌ في منظمةٍ غير حكوميةٍ يعمل مع المجالس المحليّة عن الاغتيالات التي لا تتوقف، وقال بكل فخرٍ إنهم كانوا "رقم اثنان على قائمة الكراهية لدى داعش" بعد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. عضو مجلسٍ محليٍّ في درعا، الواقعة جنوب البلاد، حكى لي عن قواتٍ نظاميةٍ تحاول قصف أماكن اجتماعاتهم: "كنت هناك عندما استُهدِف المكان بقصفٍ جويّ، ليس مرّةً أو مرتين، بل أكثر من عشر مرّاتٍ. لحسن الحظ، إن لم يُصب المرء بشكلٍ مباشرٍ فإنه يَسلم".
من المحتمل أن إلقاء قنابلنا على داعش، كما حاجج هيلاري بن في مجلس العموم، سيلحق الضرر بقدراتها العسكرية بشكلٍ مفيد، لكنّ النصر الوحيد الذي يمكن أن يدوم سيتحقق عندما، في المقام الأول، نُنهي الفوضى التي سمحت للتنظيم أن يزدهر. وبما أننا غير راغبين، وبطريقةٍ مخجلة، في قبول السوريين في بلادنا، فتلك هي أيضاً الوسيلة الوحيدة لجعلهم يتوقفون عن الهجرة إلينا. لإنهاء حالة الفوضى، فإن المطلوب هو بنيةٌ تحتيّةٌ وخدماتٌ عامةٌ وحكومةٌ فعّالة، وهذا ما قد يدفع أناساً على شاكلة جونسون للتطلّع إلى الأسد بصفته الشخص الأمثل لتقديم استقرارٍ يُقصي داعش. لكن إن حصل هذا فتلك خيانةٌ للأمور التي نؤمن بها، خصوصاً لأن أعضاء المجالس هؤلاء من المُرجّح أن يُصابوا بإحباطٍ شديدٍ إن أمسك بهم النظام ثانية. لكن، بالإضافة إلى ذلك، المجالس حلفاؤنا الطبيعيون، وهم حلفاؤنا بالفعل، ولا يمكننا أن نستمرّ في تجاهل الناس الذين يحاولون بناء ذاك النوع من سوريا الذي نُريده.
لو أن بلدنا أمضى قدراً من الوقت يتكلم فيه عن المجالس المحليّة بقدر الوقت الذي يتكلم فيه عن وحشية دولة الخلافة لكان من الممكن أن نجد طريقةً نقدّم لهذه المجالس من خلالها مزيداً من المساعدة المجدية.