كوباني محور الحراك السياسيّ الخارجيّ... والائتلاف على يسار الحدث

نازحو كوباني على الحدود التركية

اختصرت خارجيات الدول الفاعلة في الشأن السوريّ مجمل ما يجري على الأرض السورية من تطوراتٍ بمدينة عين العرب-كوباني شرق حلب، والتي تقطنها غالبيةٌ كردية، وتخضع لحصارٍ من قبل مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية". وبدت مجمل الأحداث في المناطق الأخرى هامشيةً، بعد أن أصبحت كوباني قضيةً ذات عدّة أبعادٍ، محلياً وإقليمياً ودولياً. إضافة إلى البعد الأهم، وهو اعتبار تقدّم مقاتلي التنظيم نحوها وسيطرته على أجزاءٍ كبيرةٍ منها بمثابة فشلٍ لهجمات التحالف الدوليّ على التنظيم، في المناطق الخاضعة لسيطرته شرق وشمال شرق الأرض السورية، دون أن تؤثر هذه الهجمات على حركة مقاتليه وخطوط إمداده إلا بشكلٍ محدودٍ لم يضعف من سيطرته على الأرض أو يخفّض من وتيرة عملياته العسكرية.

الإدارة الأمريكية في حربها الجديدة

حاولت الإدارة الأمريكية، خلال الأيام السابقة، الدفاع عن العملية العسكرية التي تقودها في سوريا لضرب مواقع تنظيم الدولة الإسلامية فيها. كما حاولت حشد أوسع دعمٍ دوليٍّ لهذه الضربات. وتجلى ذلك في لقاءٍ بين وزير الخارجية الأمريكيّ، جون كيري، ووزير الخارجية الروسيّ، سيرجي لافروف، في باريس، توصّل فيه الطرفان إلى الاتفاق على تبادل المعلومات الاستخباراتية بخصوص مواقع التنظيم في سوريا وتحرّكاته. وهو ما اعتبره محللون سياسيون إشارةً بسيطةً من القادة الروس إلى تعديل موقف بلادهم من ضربات التحالف.
وحاولت الادارة الأمريكية إظهار نتائج إيجابيةٍ يحققها التحالف من خلال هجماته الجوّية على مواقع التنظيم. وأهم تلك النتائج، بحسب كيري، كان إعاقة تقدم التنظيم نحو عين العرب-كوباني. وهو ما أثار انتقاد مراقبين لعدم قدرة التحالف على إلحاق هزيمةٍ واضحةٍ بالتنظيم، بدحر قواته المهاجمة التي تبدي إصراراً كبيراً على السيطرة على هذه المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية بتقدير كثيرٍ من المراقبين، لأنها تحقق اتصال سيطرته على شريطٍ حدوديٍّ طويل.
لكن التسويق لنجاح غارات التحالف الدوليّ في تحقيق أهدافها لم يمنع الرئيس باراك أوباما من التعبير عن قلقه تجاه الوضع في كوباني من جهة، ومن الإعلان عن أن العملية العسكرية ستطول في سوريا.

تركيا القوة المركزية

لعب العامل الجغرافيّ والقوميّ الدور الأهم في مركزية دور تركيا خلال الأيام السابقة في ما يخصّ قضية عين العرب-كوباني. وقد توجّهت الأنظار إلى البرلمان التركيّ الذي فوّض الجيش بالتدخل خارج الحدود دون أن يتمّ اتخاذ أية
خطواتٍ عمليةٍ حتى الآن، كما توجّهت الأنظار إلى الموقـف السياسيّ التركيّ تجاه هذه القضـية أمام تظاهـراتٍ وأحداث شغبٍ شهدتها مدنٌ تركيةٌ عدّة احتجاجاً على التلكؤ الحكوميّ –بحسب المحتجين- في مساعدة المقاتلين الأكراد على صدّ هجمات التنظيم، بتسهيل دخول مقاتلين وأسلحةٍ وذخائر لدعم المجموعات الكردية المدافعة عن المدينة.
إلا أن مركزية الموقف التركيّ، والمحادثات التي قيل إنها أجريت بين أمريكا وتركيا، لم تؤثر حتى الآن في المشهد الميدانيّ، سوى في ازدياد حملات النظام على المناطق المحرّرة، خاصةً في ريف دمشق وحلب، استغلالاً لانشغال الرأي العام الدوليّ بأحداث عين العرب.

الائتلاف بعيداً عن الأحداث

أمام مسـرح أحـداثٍ معقّدٍ وشديد التسارع والتغيّرات، ظهر الائتلاف الوطنيّ السوريّ على الهامش، منشغلاً بصراع مكوّناته على مواقــع الســيطرة والنفوذ. وجاء انتخاب أحمد طـــعمة لرئاسة الحكومة المؤقتة، والطريقة التي أجري بها هذا الانتخاب، ليلحق أضراراً إضافيةً بمصلحة الثورة السورية ككلّ، وليؤكد كلّ ما قيل عن انعدام المسؤولية الأخلاقية والوطنية لدى "قادة" المعارضة السورية، المشغولين بتمثيل مصالح الدول الإقليمية المشغّلة لهم والولاء لها، دون أيّ اهتمامٍ جادٍّ بمعاناة الشعب السوريّ وآلامه. واقتصر الأداء السياسيّ لقادة المعارضة على تصريحاتٍ صحفيةٍ، تُطلق بين حينٍ وآخر، تطالب التحالف الدوليّ بتوسيع قائمة الأهداف لتشمل مواقع لقوّات الأسد، ومطالباتٍ عامةٍ بدعم الجيش الحرّ. في حين يكمن الهمّ الحقيقيّ لهؤلاء في إلحاق أكبر قدرٍ من الهزائم في صفوف خصومهم داخل المعارضة، وتمتين علاقاتهم مع دول الإقليم المتصارعة هي الأخرى. أعاد الائتلاف انتـــــخاب طعمة، بعد أن عزله قبل أشهرٍ قليلة، وطويت فضائح كبرى ليست قضية اللقاحات القاتلة، التي حقنت بها وحدة تنسيق الدعم أطفال إدلب، إلا واحدةً منها.