تأسّست الهيئات الشرعية كمحاولةٍ لسدّ الفراغ الناجم عن غياب السلطة القضائية. غير أن هذه التجربة وقعت في منزلقاتٍ عدّةٍ لعلّ أبرزها تحوّل هذه الهيئات إلى سلطاتٍ تنفيذيةٍ في بعض المناطق، وبحسب الانتماءات العسكرية لأعضائها.
تألفـــت الهيئـات الشــرعية في محافظة دير الزور، في أشهر التحرير الأولى، من حملة شهاداتٍ في الشريعة والحقوق ومن بعض الوجهاء المحليين لكلّ بلدةٍ أو قرية. وأخذت في أعمالها طابعاً هو أقرب إلى لجان فضّ المنازعات منه إلى المحاكم، فكانت معظم أحكامها في القضايا المعروضة تنتهي إلى الصلح والتراضي، دون أيّ تصدٍّ للحدود والجرائم الجنائية. ومع تنامي قوّة جبهة النصرة تأسّست الهيئة الشرعية المركزية في الميادين، لتكــــون الواجـهة القضائية للجبهة، تــفرض من خلالــها إرادتها الخاصّة على المجتمع وعلى الفصائل العسكرية الأخرى. وجاءت السيطرة الكاملة لتنظيم الدولة على المحافظة لتنهي تجربة النصرة وتؤسّس لتجربتها الخاصّة المسمّاة بالمحاكم الإسلامية، التي تتألف، في معظم الحالات، من أفرادٍ غير سوريين، لا تُعرف درجة تأهيلهم العلمية والقضائية. وعلى العموم، يمكن تلخيص أهمّ الأخطاء التي وقع فيها هذا الجسم القضائيّ الناشئ، في مراحله الثلاث المذكورة سابقاً، في النقاط التالية:
- قلة خبرة وتأهيل أعضاء الهيئات الشرعية، إذ لوحظ جهلهم بقواعد وأصول الإثبات والمحاكمات. فعلى سبيل المثال، وفي قضايا كثيرةٍ، طالبت الهيئات الشرعية المدّعى عليه بإثبات براءته، رغم أن المدّعي لم يثبت دعواه. وهذه عملية قلبٍ لقواعد الإثبات.
- انتفاء الأهلية عن هذه المحاكم في كثيرٍ من القضايا المعروضة أمامها. وشرط أهلية المحكمة واحدٌ من أهمّ الشروط الواجب توافرها في التصدّي لأنواعٍ محدّدةٍ من النزاع. وقد سُجّلت وقائع عدّةٌ أطلقت فيها المحكمة أحكاماً استباقيةً على أفرادٍ ومجموعاتٍ، وأنذرتهم خلال مدّةٍ زمنيةٍ محدّدةٍ وإلا تطبّق عليهم هذه الأحكام، دون أهلية المحكمة ذاتها.
- عدم قوننة الأحكام، واعتماد "الشرعيين" على مدى فهمهم لأحكام القرآن الكريم والسنّة فقط، دون الأخذ بمصادر التشريع الأخرى، كالقياس والإجماع وسدّ الذرائع والمصالح المرسلة، وذلك لقلة الخبرة بها.
- أغلب أعضاء الهيئات الشرعية –خاصّةً في مرحلتي جبهة النصرة وتنظيم الدولة- مقاتلون بالأصل، ولا تخوّلهم أوضاعهم النفسية تولّي القضاء.
- التصدّي لأحكامٍ دستوريةٍ تتعلق بنظام الحكم، وتحدّد العلاقة بين الفرد وبين الحاكم، دون بيان ماهية نظام الحكم القائم.
- تصدّي المحاكم أو الهيــئات الشرعية لأحكام الحرب والمعاهدات والأسرى وأوضاع السكان من غير المسلمين، وهذه الأحكام تخضع للحاكم وليّ الأمر وليس للهيئات الشرعية. إذ قامت هذه الهيئات، في مرّاتٍ عدّة، بقتل الأسرى -على سبيل المثال- وفرض الضرائب الخاصّة على غير المسلمين، أو استباحة أموالهم وممتلكاتهم.
- عدم القدرة على فهم حيثيات الأحكام. فعند قراءة الادّعاء يأتي الحكم دون ذكرٍ للحيثيات والمسبّبات ومناقشة أقوال الشهود.
- ارتـــــباط الهـــيئات الشــرعية بالفصائل والتشكيلات المسلّحة، وخاصةً تلك التي عملت على تأسيسها.
- الواسطة والمحسوبيات والتهاون والتراخي، ولا سيما في المرحلة الأولى من عمـر هذه الهيئات.
- محاولة هذه الهيئات إثبات التهم في بعض القضايا –مثل الزنا- بكلّ الوسائل والطرق، بالرغم من أن الأصل فيها البحث عن مخارج البراءة للمتهم، أو دفعها بالشبهات على الأقلّ.
- استخدام تهمة الخيانة بمفهومٍ فضفاض، فقد حوكم كثيرٌ من المتهمين لأنهم يخالفون ميول "القضاة" العسكرية أو الفكرية فقط.
- تطـبيق الــحدود في زمن الحرب. وهذه مخالفةٌ قانونيةٌ وشرعية.
- التصدّي لكمٍّ كبيرٍ من القضايا في الوقت نفسه، وحصرها في جهةٍ واحدة، مما يؤدّي إلى ضغطٍ هائلٍ على "القضاة"، فتكون النتيجة -في كثيرٍ من الحالات- التسرّع في إصدار الأحكام دون التثبت. وسُجلت كثيرٌ من الوقائع نُفذت فيها أحكامٌ قاسيةٌ -وصلت إلى الإعدام- بحقّ متهمين أبرياء.
- المغالاة في أحكام التعزير التي تسببت، في بعض المرّات، في موت المتهمين.
- سماع الشـهود دون تزكــيةٍ من شهودٍ عدول. وفي مرّاتٍ كثيرةٍ يقوم الشرعيون أنفسهم بتزكية هؤلاء الشهود، مما يخالف مبدأ حياد القاضي ونزاهته.
- الخلـــط بين الأحكام الــجزائية والمدنية لدى الهيئة الواحدة.
- التصدّي لنزاعاتٍ قديمةٍ، مثل النزاعات العقارية التي بتّ فيها القضاء وحازت أحكاماً نهائيةً تمّ تنفيـــــذها في السجلات العقارية.