في سجن القلعة:

كيف يغيّر الرسم حياة الأطفال السوريين اللاجئين

صوفيا بربراني/ ديلي تلغراف 31 تموز ترجمة مأمون حلبي

في سجنٍ عراقيٍّ سابقٍ من سجون صدام حسين أقيم مخيمٌ للاجئين السوريين يحمل لقب (القلعة). ولكن مشروع رسمٍ غير عاديٍّ ساعد على تحويل جدران المخيم، الذي كان في الماضي مكان رعبٍ كئيباً، وعلى تغيير حياة أطفال المخيم. 2223 ترفع فتاةٌ في الرابعة عشرة من العمر عالياً لوحةً لفتىً تغطّيه الدماء، معلقٌ من أنشوطةٍ، تتدلى ساقاه المربوطتان فوق ألسنة نارٍ متراقصة. هذا التمثيل المرعب للحرب من رسم نيروز، وهي لاجئةٌ كرديةٌ أُجبرت عائلتها على الفرار من دمشق عندما انعطفت الحرب نحو الأسوأ. تدبرت العائلة لنفسها مكاناً في باصٍ يغصّ بعائلاتٍ أخرى واتجهوا إلى الشمال السوريّ الواقع تحت السيطرة الكردية. لكن حتى هناك لم يشعروا بالأمان: "يوجد حقل نفطٍ قرب منزل عائلتي، وكنا قلقين من أن يهاجمه تنظيم الدولة"، تقول نيروز. لذا قرّرت العائلة العبور إلى العراق والسفر إلى أحد مخيمات اللاجئين. مضى عامان منذ أن بدأ الخروج الجماعيّ لأكثر من ربع مليون سوريٍّ إلى العراق، وفي حين أن بعضهم قد عادوا إلى الوطن، لا يزال أكثرهم حذرين من العودة. مخيم عقرة -المعروف بـ(القلعة)- مبنىً يشبه الحصن، ويُعتقد أنه سبق واستخدم كسجنٍ من قبل الديكتاتور صدام حسين، وهو الآن مأوىً لقرابة 1470 سورياً. جدران المخيم الرثة، التى كانت فيما مضى ذكرى كئيبةً عن جرائم صدام بحقّ الكرد، تستعمل اليوم كقطعةٍ قماشيةٍ فارغةٍ لـ12 فتاةً لديهنّ ميلٌ عميقٌ إلى الفنّ. أسّست مشروع (فن القلعة) وموّلته منظمةٌ إنسانيةٌ تدعى "رايز فاوندايشن". لأكثر من عامٍ ولمرّةٍ في الأسبوع، ساعدت المنظمة أطفال عقرة على التعامل مع علب البخاخ لكي يعبروا عن عواطفهم وروح الإبداع لديهم التي كان من المحتمل، لولا ذلك، أن يضطروا إلى كبحها. تشرح مديرة المنظمة الأمر بالقول: "أنشئ المشروع لكي يعزّز الإحساس بروح الجماعة ضمن المبنى الذي هو الآن موطنٌ لمئات العائلات. يقدّم (فن القلعة) متنفساً إبداعياً فريداً لأولئك الفنانين اليافعين الطامحين". في الباحة الشاسعة للقلعة مجموعةٌ من الأطفال الذين غطّاهم الدهان يتراكضون على درجٍ، في سباقٍ نابضٍ بالحياة، لكي يغطوا جداراً باهتاً بطبعاتٍ خضراء كاشفةٍ من أكفهم. عندما تنتهي حصّة الفنّ يكون عشرون طفلا آخرون قد انضمّوا إليهم لتحويل زاويةٍ أخرى من المبنى إلى لوحةٍ جداريةٍ تضجّ بالحياة. وفي حين غيّر مشروع (فن القلعة) واجهة المبنى إلى الأفضل، أسهم أيضاً في اندمال ندوب الحرب لدى كثيرٍ من اللاجئين اليافعين؛ إنه يقدّم نوعاً من العلاج النفسيّ. لوحاتهم المتردّدة الأولى كانت أكثر الأحيان تمثيلاتٍ كئيبةً للحرب، ومن بينها صورٌ لقتلى مدنيين. في الوقت الحاضر، الصور المشرقة لمناظر طبيعيةٍ وللطيور والورود والناس تدلّ على عودة بعض هؤلاء الأطفال إلى الحالة الطبيعية. المتعة التي يقدّمها هذا المشروع، إضافةً إلى السمات التطهيرية للفنّ، لعبت دون شكٍّ دوراً في تحسين حياة الفتيان. وحتى اللاجئون الأكبر سناً استفادوا من هذا العمل، إذ طلبوا مراراً من الأطفال دهان أبوابهم الأمامية بألوانٍ بهيجة. في مكانٍ ليست التسلية متاحةً فيه بيسرٍ، غالباً ما يتحوّل الضجر إلى أكبر عدوٍّ للاجئين. تقول نيروز: "أتمنى لو أننا نستطيع زيارة مزيدٍ من الأماكن". تجلس ديانا، 15 عاماً، قرب نيروز في غرفةٍ خافتة الإنارة. تتكلم بإنكليزيةٍ مكسّرة، وصوتها الناعم شبيهٌ بسلوكها الخجول: "عندما أكون على علاقةٍ بفنّ القلعة فأنا سعيدة. عندما كنت طفلةً كنت أرسم". تأمل ديانا أن تصبح فنانةً تحظى باعترافٍ عالميٍّ. هذه الفتاة، التي ولدت في مدينة القامشلي، أحبت مسقط رأسها. لكن عندما ساءت الأمور انتقلت العائلة إلى العراق. لم تتعرّض القامشلي لهجومٍ عسكريٍّ مباشرٍ، لكن الصعوبات الاقتصادية أثرت على كثيرٍ من العائلات هناك. تقول ديانا: "لقد كوّنت صداقاتٍ كثيرةً في عقرة، لكني أشتاق إلى وطني وإلى بعض أفراد عائلتي ما زالوا هناك". سولين، التي مادّتها المفضلة في المدرسة هي اللغة العربية، أكثر جديةً من بقية الفتيات. تقول: "أريد أن أصبح طبيبة". نسرين، 15 عاماً، من القامشلي أيضاً، ومثل ديانا، تحلم أن تصبح فنانة: "أريد أن تتوقف الحرب في سوريا، وأن يعيش الأطفال حياةً سعيدة. أشتاق إلى صديقاتي ومدرستي وأساتذتي. آمل أن أعود إلى القامشلي ذات يوم... لا أريد أن أبقى هنا". كثيرٌ من اللاجئين الأكبر سناً يخالجهم الشعور نفسه ويتملكهم الحنين إلى البيوت التي تركوها خلفهم.