في يوم (16) من شهر نيسان، خرجت في مدينة الرقة، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، مظاهرة مؤيدة لنظام بشار الأسد وضد الوجود الأمريكي في سورية. وعلى الرغم من أن المظاهرة لم تدُم إلا دقائق قليلة، ولم يتجاوز عدد المشاركين فيها (50) شخصاً معظمهم نسوة وأطفال، إلا أنها حدث بالغ الأهمية، في الوقت الذي تتصاعد فيه حالة الاستياء العام لدى السكان الغاضبين من تدمير منازلهم، نتيجة العملية العسكرية التي أطلقها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش ربيع وصيف العام الفائت، وبلا أي وعود أو أمل بتعويضات تُساعدهم على إعادة بنائها أو ترميمها.

سبقت المظاهرة التي حرضت عليها، بلا ريب، خلية أمنية تتبع للنظام حوادث أخرى، كان أبرزها إعلان ميليشيا «لواء الباقر» المدعومة من الحرس الثوري الإيراني «بدء العمليات العسكرية والجهادية ضد الاحتلال الأمريكي ومن يتحالف معه في سوريا» وفق بيان أصدرته الميليشيا، وإعلان تأسيس «المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية» التي نشطت خلال الأسابيع الأخيرة، بحملة رفعِ أعلام وكتابات حائطية تؤيد النظام وتتوعد «قسد» والأمريكيين في مدينة الرقة.

تدل هذه الأحداث وغيرها على تحولٍ في طريقة تعاطي النظام وحلفائه الإيرانيين خاصة والروس مع الوجود الأمريكي، بأخذهم زمام المبادرة لتغيير خارطة السيطرة في المنطقة الشرقية، رغم الفشل الذريع الذي مُنيت به أُولى محاولاتهم الجادة لتحقيق ذلك، متمثلة بالهجوم الفاشل في شهر شباط الماضي على معمل معالجة الغاز المعروف ب (كونيكو) الخاضع لسيطرة «قسد»، والذي شنته قوات مشتركة تضم مقاتلين مرتزقة وجنوداً نظاميين «روس» وميليشيات شيعية تابعة للحرس الثوري، بإسناد ناري ثقيل من قوات النظام في الخلف.

وجاءت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نواياه بسحب قواته في وقت قريب، وقراره تجميد أموال مخصصة لسورية، لتشجع النظام وحلفاءه على المضي قدماً بتكثيف أنشطتهم المتنوعة ضد الأمريكيين وضد «قسد»، وتكثيف استعداداتهم أيضاً لبسط سلطتهم على المناطق الخارجة عن سيطرتهم في محافظتي الرقة ودير الزور. ولم يكن استثناء مواقع قوات النظام وحلفائه الإيرانيين في دير الزور من قائمة الأهداف العسكرية التي طالتها الضربة الأمريكية الفرنسية البريطانية، العقابية على هجوم الغوطة الكيماوي، سوى دليل إضافي عزّز الثقة لدى النظام وحلفائه بقدرتهم على تنفيذ ما يطمحون إليه في الشرق السوري. وكذلك تعزيز ثقتهم بالأساليب والأدوات التي اعتمدوها إزاء ذلك. مستغلين نقاط ضعفٍ تُعاني منها «الإدارة الذاتية الكردية»، وهي الجسم المدني الحاكم في منطقة السيطرة العسكرية لـ «قسد».

إدارة ذاتية عاجزة

فشلت الإدارة الذاتية بالظهور مستقلة عن تأثير حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd)، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا، وفي تبديد الهواجس والشكوك حولها، بأنها مجرد أداة يستعملها (pyd) لتحقيق أهدافه الانفصالية. ولم تنجح في تغيير الانطباع العام السائد عنها بأنها مشروع هيمنة كردي على السكان العرب، الذين يشكلون أغلبية ساحقة في محافظتي دير الزور والرقة. لتبدو في المحصلة سلطة أمر واقع غريبة، يمكن للناس الباحثين عن حد أدنى من السلم والأمان التعايشَ معها إلى حين تتغير الظروف، بحيث تستعيد المجتمعات المحلية عافيتها ولو بالحد الأدنى، بعد إنهاك طويل بفعل الحرب والأزمات المتعاقبة منذ العام 2011.

واليوم وبعد أكثر من عام على تأسيس مجلس الرقة المدني، وأكثر من ستة أشهر على تأسيس مجلس دير الزور المدني، وهما منظومتا الحكم المحليتين اللتين أنشأتهما «الإدارة الذاتية» في الأجزاء التي تسيطر عليها من المحافظتين. لا يبدو أن المجلسين قادران، وإن بدرجتين مختلفتين، على الاضطلاع بالمهمات الموكلة إليهما، والتي تتلخص بتوفير الخدمات الأساسية للسكان، وإصلاح البنى التحتية المدمرة، وتوفير فرص عمل، وإطلاق عجلة الإنتاج الزراعي.

 وفي الجانب العسكري تلاشت خطط القادة العسكريين الكرد بتحويل «قسد» إلى جيش، بل وفشلوا في تحويلها إلى جسم عسكري متماسك وصلب باستثناء الوحدات الكردية فيها، والتي لا تعدو عن كونها ذراعاً عسكرياً لحزب الاتحاد الديمقراطي (pyd).

وكشفت حوادث اغتيالٍ ومحاولات اغتيال لشخصيات لعبت أو تلعب أدواراً عامة، لا سيما في محافظة الرقة، فضلاً عن حالة انفلات أمني عامة ظهرت في دير الزور بصورة أوضح، عن قصور كبير في عمل الأجهزة الأمنية التي أنشأتها «الإدارة الذاتية».

إن جوانب العجز والتعثّر تلك، وبغض النظر عن أسبابها المختلفة التي تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية في بعضها، وتتحمل «الإدارة الذاتية» المسؤولية في البعض الآخر، تساهم في ترسيخ حالة الاضطراب التي تعاني منها المنطقة. وتُضعف وإلى حد كبير من درجة الثقة لدى السكان بمنظومة الحكم المحلي الناشئة، وتجعل بقاءها وديمومتها وقدرتها على الصمود أمام التهديدات المتعاظمة من قبل النظام وحلفائه في موضع شك.

من صفحة المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية