خرج منتخب «سورية الأسد» لكرة القدم خالي الوفاض من تصفيات كأس العالم في روسيا 2018، وشغل الحديث عنه الملايين في الشارع وفي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، في نافذة صدام جديدة بين معارضي النظام ومؤيديه.

ما يميز الرياضة في سورية هو خضوعها الكامل للنظام منذ سبعينات القرن الماضي، وبدا الاتحاد الرياضي العام أقرب إلى فرع أمن منه إلى مؤسسة رياضية، وعمل على تصوير أي فوز مهما كان بأنه منجز من منجزات النظام وظلت «الانتصارات» تهدى إلى «الرياضي الأول» حافظ الأسد ثم إلى ابنه بشار.

كانت دورة البحر الأبيض المتوسط/1987/ فرصة لتلميع وتمجيد صورة النظام ورأسه، ولم يكن قد مضى سنوات قليلة على قتل آلاف السوريين وتدمير مدينة حماة عام 1982. وعندما أحرز المنتخب السوري لكرة القدم الميدالية الذهبية عقب فوزه على فرنسا، التي شاركت بمنتخب هواة، خلا من أي محترف، أقام إعلام النظام الدنيا ولم يقعدها، بهذا الفوز وجعله ثمرة عطاء من عطاءات القائد.

في تلك الدورة، فاز باسل الأسد بالميدالية الذهبية لبطولة الفروسية، وبعدها بسنوات قليلة سجن باسل فارساً آخر هو عدنان قصار، لأنه نافسه في اللعبة، ليقضي 21 عاماً في معتقل صيدنايا سيئ الصيت.

مباراة منتخب «سورية الأسد» مع أستراليا، تذكرنا بمباراة قديمة جرت في العام 1985، بين منتخبي العراق وسورية، وكانت مباراة فاصلة يتأهل فيها الفائز إلى كأس العالم في المكسيك عام 1986، كانت العداوة على أشدها بين نظامي البعث في البلدين.

حشد النظام آلته الإعلامية لتعبئة الناس، ونالت المباراة وقتها اهتمام الاتحاد الدولي لكرة القدم، حيث حضر رئيسه الراحل «جو هافيلانج» تلك المباراة بنفسه. وكانت النتيجة خسارة المنتخب السوري في السعودية بعد تعادل في دمشق، وكتب عدنان بوظو وقتها جملته الشهيرة: «الطائف حدودنا، والمكسيك أبعد منا»!! وانتهى كل ذلك بخيبة أمل كبيرة لجمهور الكرة ولإعلامه وللنظام!

كانت الرياضة السورية تنتقل من فشل إلى آخر خصوصاً في كرة القدم، وكانت الإشراقة الوحيدة لها هي وصول نادي الكرامة الحمصي إلى المباراة النهائية لبطولة الأندية الأسيوية لكرة القدم، وخسارته أمام فريق «جونيوك» الكوري الجنوبي بفارق هدف، بعد أن تبادل الفريقان الفوز ذهاباً وإياباً، مما فوّت على فريق الكرامة فرصة اللعب في بطولة العالم للأندية، وكان يدير نادي الكرامة وقتها إدارة متفانية ومخلصة على رأسها ساطع أتاسي، ويدرب الفريق محمد قويض- أبو شاكر- ولم تتكرر الفرصة بعدها أبداً، وكان من بين اللاعبين قلب دفاع نادي الكرامة والمنتخب السوري الشهيد جهاد قصاب- الذي اعتقله النظام، وتوفي تحت التعذيب عام 2016 لأنه تظاهر ضده!!

حاول كثير من المتابعين أن يبرروا تشجيع المنتخب، وبأنه لكل الوطن، وليس للأسد، وبأن الرياضة يجب أن تنفصل عن السياسة!!!

والحقيقة أن هذا التبرير غير بريء، أو أنه يخفي قصوراً في فهم دور الرياضة- وكرة القدم بوجه خاص- في سورية وعلاقتها العميقة بالسياسة والدعاية، التي يبثها النظام ومحاولاته إعادة تصدير نفسه للعالم كسلطة تحظى بالشرعية والقبول من الشعب.

لا يمكن بأي حال فصل الرياضة عن السياسة، وقد قام إداريو النظام بتقديم البرهان على ذلك بشكل فظ وواضح عندما ظهروا في مؤتمر صحفي وهم يلبسون قمصاناً عليها صورة الطاغية بشار الأسد الملوثة يديه وأيادي طغمته بدماء السوريين، ثم يأتي من يقول بأن هذا المنتخب هو لكل السوريين، وعلينا تشجيعه بغض النظر عن تلك الأمور!!!

المنتخب هو منتخب «سورية الأسد»، والاتحاد الرياضي هو مؤسسة أمنية فاسدة بامتياز، لذلك هو منتخب البراميل، منتخب القنابل، منتخب النظام القاتل. وكم تشبه الوجوه التي شجعته في ساحات ومقاهي حلب ودمشق واللاذقية وحمص، الوجوه التي رقصت وفرحت بسقوط المدن واستباحتها، وكما تشابهت صيحات تشجيع السومة والخطيب بصيحات تشجيع أخرى لسهيل حسن وعصام زهر الدين.